ماهو الحل ؟ .. نحن نبحث عن ذاتنا وهويتنا وثقافتنا في ظل الذوبان

nakfa

 

الحسين علي كرار

فعندما نتحدث عن الماضي لا يسر
وعندما نتحدث عن الحاضر لا يسر
وعندما نتحدث عن المستقبل لا يسر
وأخطاؤنا نقبل بترحيل قضايانا التي نموت من أجلها إلي المستقبل المجهول .
وعيبنا إن فصائلنا المعارضة من كان منها بحبة البطيخة حجما ،إنفجر ، وأصبح بعدد بذورها ،ثم تآكلت البذور وأصبحت بحجم حبة السمسمة ، وهي لا تعشق المستقبل أكثر مما تعشق ماضيها .
ومصيبتنا أن الأمواج تتحرك حولنا بإندفاع شديد ، والمجلس الوطني وتنفيذيته اللذين هلل لهما الجميع ،هما ، في غرف الإنعاش يحتاجون الإنقاذ لينقذونا .
ونفاقنا عندما تتحدث الفصائل عن الأوضاع العامة والنظام ، يعطوك من طرف اللسان حلاوة ،وعندما ينتقلون إلي أوضاعهم الداخلية كلها مكائد ومؤامرات مع أن النظام ساعدهم بنرجسيته ولكنهم أصلا فاقدون كل شئ .
وفلاسفة الألسنة يقولون إن البعض يدفع الساحة إلي القبلية ، والساحة السياسية منذ نشأتها قبلية ، وقد تكون القبائل ذاتها مظلومة ، فإذا إجتمع شيوخها وعمدائها ووجهائها يستطيعون أن يحلوا ويربطوا ويقدموا من يمثلهم في مطالبهم أقدرهم كفاءة ولباقة ، وهذا لا يعني تفضيل القبلية ، ولكن واقع الفصائل الذي تعيشه أقل درجة من المجتمع القبلي المتماسك .
والسؤال ماهو الحل ؟ يجب الإبتعاد عن العواطف وكيل التهم والتزلف لأن هناك مسئولية علي الجميع ، شعب ضائع ، ودولة تنتحر، ومعارضة تنتحر، ولأن الخصومة عمل سياسي ، ومن يخاصمك يعرف ماذا يريد ، وأنت تخاصمه ولكنك لا تعرف ماذا تريد ، قلنا ما يكفي في النظام، وقلنا ما يكفي في معارضة التجرنية ، ولكن ماذا نحن نقول عن أنفسنا ؟ نقول فعلوا ويفعلون ، ولكن نحن ماذا فعلنا وماذا نحن فاعلون ؟ نقول نحن ضعفنا ولكن لا نعرف كيف نكسب القوة ونعالج الجروح ، الدولة الارترية أخذت إستقلالها ، ولكنها تعيش وضع شاذ غير طبيعي ، وهي علي وشك الإنهيار ، دولة يقودها طاغية ، وبلا مؤسسات ، وتتنازعها ثقافتنا اسلامية تتطلع إلي العالم العربي والإسلامي ،ومسيحية تتطلع إلي العالم الغربي والمسيحي ، وترفض فيها الثقافة المسيحية المهيمنة الثقافة الإسلامية الحائرة .
وما سيبني بعد زوال هذا النظام سيكون هو الأساس لبناء الدولة القادمة ، فمن كانت رؤيته قاصرة وضعيفة وضبابية ولم يطرح مطالبه بوضوح ويصمد ويتحدي ويثبت حقوقه ، سيكون كذلك ضحية المستقبل
إذن ما هو الحل لإزالة هذا الغبن وكيف تتم إزالته فالجواب ( لا إتفاق ) وكيف سيبني نظام حكم مستقر ما لم يتم إتفاق في المعارضة علي مشاكل الهويات الثقافية ومشاكل شكل الدولة ونظام الحكم ، فإذا لم يكن للبيت أساس واضح لا يمكن أن يبني فوقه سقفا ، فالجواب ( لا إتفاق)
المسلمون مشكلتهم يوحدهم الاسلام ويتفقون في المطالبة بالثنائية الثقافية ، ولكنهم يختلفون حسب مصالحهم وقبائلهم وأقاليمهم في شكل الدولة ونظامها ، فتنتفي هنا صفة الإسلام وتغلب عليهم المصلحة ولا يوجدهنا حل يوحدهم فالجواب (لا إتفاق)
المسلمون من مؤسسين للثورة ومن تأريخ عظيم يفتخرون به إلي هذه الذلة والمسكنة التي جعلتهم يبكون ويبكون من الظلم ولا أحد يستطيع أن يمسح دموعهم إلا إذا مسحوها بأنفسهم وقد أصبح هذا ليس بهذه السهولة التي يحلمون بها .
ولكن ماهي الأسباب التي أوصلتهم إلي هذا الحضيض؟ :-

سبب الضعف الأول بدأ ودب من قوات التحرير الشعبية عندما طردت قائدها عثمان صالح سبي أبرز قيادات الثورة الأرترية ، وسلموا كل القيم والدين والأخلاق والتراث والعتاد وما تم بناؤه من نضال إلي أفورقي الذي رفع لهم في يده كتاب التقدمية وأخفي تحت إبطئه كتابه نحن وأهدافنا .

وسبب الضعف الثاني جبهة التحرير الأرترية التي فرطت في كل ما بناه الشعب الأرتري بدمائه ودموعه فوضعت نفسها في كماشة الجبهة الشعبية وكماشة النميري الذي كان حاقدا عليها لأنها كانت حاضنة الشيوعيين السودانيين أعداءه ، فسلمت كل القيم والدين والأخلاق والتراث والعتاد إلي الجيش السوداني وأصبحت هشيما كأن لم تكن .

وسبب الضعف الثالث والمؤلم أكثر هو ظهور الجهاد الإسلامي الذي رفع راية الجهاد الكبيرة ونفخ أوردته ونفش ريشه ، ولكنه فجأة إختفي بعد أن سلم كل القيم والدين والأخلاق والتراث والعتاد وما أشعله من نار إلي أفورقي ، وتركت قيادته هذا الجمع الكبير من المسلمين الذين حشدتهم وإلتفوا حولها ، سائبين بدون غريم وقيادة ، وحمّلوهم تركتهم الثقيلة .
فهل يكون صراع بدون إمتلاك قوة ؟ وهل تكون مفاوضات بدون أوراق ؟ من ترك سلاحه للآخرين لا يمكن أن يملي شروطه علي الآخرين ، ومن لا يملكون أوراق المساومة السياسية لا يمكن أن يكونوا مقبولين كمفاوضين من من ملكوا السلاح والأوراق السياسية ، أليست هذه الأسباب الرئيسة هي التي أفقدت المسلمين كل ما كانوا يملكونه وأصبحوا كريشة في مهب الريح؟ .
وسنركز على الجهاد لأنه كان من مصائب المسلمين الكبيرة بعد الإستقلال ، فهل كانت ضرورة لقيام الجهاد الإسلامي ؟ وماهي المكاسب التي حققها ؟ وماهي النكبات التي تسبب فيها وأصاب بها المسلمون؟ وهل الجهاد قام علي أساس توافقي بين السلفيتين عند تأسيسه ؟ أم قام علي العواطف الجياشة؟ وبيان لجنة المستضعفين الأرتريين التي تم صياغته في زريبة المواشي بكسلا نتيجة لأحداث تجنيد الفتيات؟ وقد رأينا بعد أن إنتنهت الحرب السودانية الأرتيرية الأثيوبية ، كيف عادت السلفيتان وتركتا الساحة المشتعلة لأفورقي وتصارعتا ؟ ، وما الذي أفادوه الشعب الأرتري في تلك المرحلة وما بعدها ؟ ولماذا ظهروا كالبرق وإختفوا كالبرق ؟ وتفرقوا كما يقول المثل أيدي سبأ ؟ وصدق فيهم قول الله تعالي ( وأقبل بعضهم علي بعض يتلاومون ) .
أثاروا المسلمين بالجهاد وهيجوا وجمعوا وعبئوا بحيرة المسلمين الراكدة والتي كانت تشعر بالضعف وفقدان القوة ، واستغلوا كل عواطف الجهاد الذي كان في أفغانستان وبعد هذا الهيجان الذي أثاروه تركوا المسلمين فجأة ليغرقوا في براكين الزلازل والمحيط الذي هيجوه وأثاروه ، وشقوا لأنفسهم من هذا المحيط ، قنوات صغيرة بعيدة عن هيجانه
يعومون فيها ، ولما تبخرت هذه القنوات ، وبدأ وا يتوحلون أصبحوا يمدون أياديهم لفصائل التجرنية المسيحية والتي كانت بالأمس هدفا لهم ويصفونها بكل النعوت ، بعد أن رفض بعضهم بعضا وأصبحوا أعداء ، ليستقووا بأولئك وينقذوا مصالحهم بعد أن أصبحت الكراسي همهم الأول وحلمهم ، ونسوا ما أشعلوه من نار الجهاد ، ولكن أولئك لم ينسوه .
لا أحد يرفض المرونة والتوافق ولكن شتان بين ذلك وما هو سائد.
أصبح السلفيون الذين يتبنون إجتهادات بن تيمية علي فصيلين ورأس إحدي القوميات (ثلاثة فرق ) وأصبح سلفيوا الإخوان كلما نجح حزب حولهم رفعوا أصواتهم وإذا أخفق أولئك إختفي صوتهم ، وأفورقي يمنع الصلاة والصوم في معسكرات التجنيد الإجباري والجيش وكل الشعب في المعسكرات ، فأين تجب الأولوية في العطاء والتضحية بعد كل ما أثاروه ؟ هل أن يقدموا لنا شروح علماء الكلام وما قاله الأشاعرة والماتريدية والمعتزلة والظاهرية والباطنية والخوارج والفلاسفة والإختلاف في تقديم الأدلة النقلية والعقلية ونظريات البنا في إعادة الدولة الإسلامية ، أم أن يتكاتفوا ويعبئوا ويجمعوا المسلمين حولهم لمجابهة هذا الخطر الجاثم علي الصدور وهو الذوبان ؟ أين يجب أن تكون أولويتهم ؟
إن الأضرار التي ألحقها الجهاديون الإسلاميون بالشعب الأرتري المسلم كبيرة وذات آثار سلبية ، هم وسعوا المجال للنظام للأنتقام من المسلمين بشعاراتهم ، ولكن النظام الطائفي رد عليها فعليا وبغير تردد ، وفي هذه الفترة التي رفعوا فيها الجهاد،أغلق أفورقي كل المعاهد الدينية ووضعها تحت إمرته ، وإعتقل مدرائها الذين ألصق بهم التهم الباطلة ، وإعتقل هذه الأعداد الكبيرة من الشيوخ والعلماء والطلاب خريجيين الجامعات العربية والإسلامية ووضعهم في السجون إلي يوم غير معلوم ، وسمح للكنائس الغربية أن تنتشر في كل مناطق المسلمين ، ومنع بناء المساجد في كل أرتريا إلي هذا التاريخ ، ومسح كل التراث والثقافة الإسلامية حتي القليل الذي قبله بعد الإستقلال إنقلب عليه تحت حجة محاربة الفكر التكفيري كما كان يقول . ولولا لطف الله كان الوضع أقرب إلي وضع الشباب الصومالي ليصنف الجهاد من القوي الإستعمارية من ضمن فصائل الإرهاب ، ولو حصل ذلك كانت المآسات الكبري علي المسلمين الأرتريين ، وحتي اليوم هذا هو السلاح الذي يساوم به أفورقي القوي الغربية ويرونه المحافظ علي مصالحهم في المنطقة ومن الممكن أن يؤهلوا نظامه كما نري ذلك في سوريا .
هذه التركات الثقيلة هي التي أرهقت المسلمين وأضعفتهم وأوهنت عظمهم ، وكل فصائل المعارضة المعوقة والمحسوبة على المسلمين اليوم عاجزة ، وتنفخ الروح لإستمرايتها في المجلس الوطني الذي نزع إسياس روحه قبل أن يبدأ ، وهم يعلمون .
نتصور ماذا لو أغلقت أثيوبيا كل مكاتب المعارضة وتحسنت علاقتها مع إرتريا في ظل التغيرات الإقليمية ووافق أفورقي أو بديله بإصلاحات بسيطة لا تبقي ولاتذر ، وتوقف عن التجنيد الإجباري الذي يهرب منه الشباب وتئن من آثاره الدول الغربية ، وفتح حوارا مع الفصائل التابعة له ، ماذا تملك بقية الفصائل المحسوبة علي المسلمين للتفاوض ؟
المتوقع في اليوم التالي كل معارضة التجرنية ستجدها في أسمرا ولا تحتاج للحوار مع النظام ، لأن ما يؤرقها ليس الدفاع عن الحرية والديمقراطية ولا عن الثقافة الإسلامية ولا نزع أراضي الباكين ولا تغيير وجه مدنهم بل هو التجنيد الإجباري اللا محدود وليس غيره ، فإذا إنتهي هذا الكابوس إنتهت مشاكلهم الأساسية مع أفورقي ، ولكن ماذا تملك الفصائل المحسوبة علي المسلمين والتي ترفع شعارات قومية وهم يحسبونها قبلية ولا يعتبرونها ؟ ماهي أوراقها السياسية والعسكرية والجماهيرية التي تتحدي بها النظام وتساوم بها ؟ المفاوضات هي شروط وأخذ وعطاء وليس تمني ولا أماني ؟ والمهزوم فيها هو الخاسر ماذا يملكون والنظام علي وشك الرحيل والكل يرتب أوراقه ما عداهم
هذه الفصائل بسياساتها الجوفاء تحولت إلي نخب وصفوة بعيدة عن قواعدها الجماهيرية ، حتي إذا إفترضنا أن الجماهير ستلتف حولهم ماهي الرؤي والبرامج التي يحملونها لهذه الجماهير ؟ لا يوجد حل بالعواطف .
ولايرغب أحد أن تكون في الدولة محاصصات طائفية ولا محاصصات قومية وما يطلق عليه القوميات أساسا هي القبائل وهي مرفوضة ، ولكن يجب أن تكون الدولة قائمة علي الأقاليم الفيدرالية، ثم تقسيم الأقاليم إلي محافظات حسب رغبة أبناء الإقليم ، لأن المركزية كانت نتائجها وبائية ، وأن إبعاد الثقافة الإسلامية التي تمثلها اللغة العربية ماهي إلا استمرار في نهج النظام الخاطئ فيجب أن تكون الآراء واضحة دون حشوات اللهجات لتشتيتها .
وعندما تنتقد وتنبش هذه الأخطاء التي تتمادي فيها الفصائل ، ليس كما يعتقد البعض بأن المنتقدين يفعلون ذلك لتقوية رابطة أبناء المنخفضات ، وتقليل دورالفصائل ، وتصغير حجمها ، ولكن الفصائل هي الممثل السياسي ، و ليفيق الذين يحملون الرايات السياسية ، وإلا هم أول ضحايا سياساتهم ، لأن الشعب الأرتري الرافض للذوبان في ثقافة التجرنية ويبحث عن ذاته وهويته وأرضه باقي وسيستمر في تحديه ومقاومته سواء برابطة المنخفضات أو بغيرها
ومن الصعب أن تجد الحل بهذه العقلية الغافلة ، ولولا هذا النوم والقبول بتقزيم النفس من الفصائل لما نشأت روابط وقوميات وقبليات تبحث عن ذاتها وهويتها وحقوقها .

—————————————————————————————————————————————————-

شاهد أيضاً

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الثاني أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي متابعة : ماذا حدث لك بعد نجاح العملية …

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الأول أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي   تحاور مجلة الناقوس المناضل الكبير عبدالله سعيد …

شخصية العدد- المناضل المغييب محمد عثمان داير (الناقوس العدد 11)

       المناضل المغيب / محمد عثمان داير                   …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *