ماذا بعد ورشة العمل في فرانكفورت بألمانيا ؟

filsberger institute

الحسين علي كرار

من الملاحظ أن الدعوة التي قدمها معهد فليسبيرغر الألماني لأطراف من المعارضة السياسية والمدنية الارترية ، والتي حدد فيها بنودها وزمنها ومكانها ،  ليستشف وجهة نظر الأطراف المشاركة المدعوة في الورشة ، لخلق أرضية مشتركة تكون قاعدة انطلاق للتوافق بين الفصائل في حالة سقوط النظام ،هذه الدعوة من المعهد بحد ذاتها إيجابية والمشاركة فيها كذلك كان شيء إيجابي لأن الحوار بين الأطراف المتصارعة الذي فيه الوضوح والمكاشفة في نهاية المطاف هو الذي يضع الحلول النهائية ، وخاصة هنا كانت الجهة الداعية أجنبية ،  إن هذه الورشة كانت غير طبيعية ، فالملاحظة الأولي أن الأطراف المدعوة بعضها كان علي خلاف شديد مع المجلس الوطني ، وبعضها الأخر لم يكن طرفا في المجلس ، وبعضها لم يعترف أساسا بالمجلس الوطني ، كذلك الملاحظة الثانية تم استثناء تنظيم علماني رئيسي كان علي خلاف شديد مع بعض هذه الفصائل في المجلس الوطني ، بالإضافة إلي استثناء الفصائل الإسلامية ، وقد يكون هذا بداية لتجاوز مرحلة المجلس الوطني ، والملاحظة الثالثة أن ورقة العمل المقدمة بصيغة سؤال وجواب كانت تحمل بصمات بعض هذه الفصائل المجتمعة ، وكانت الأسئلة قاصرة علي مصالح معينة وتجاهلت مصالح معينة ، مثل السلطة والإدارة والتنمية المتوازنة والأرض واللاجئين ، ولذا اضطرت بعض المنظمات كالرابطة أن تقدم رؤيتها ودراساتها مرفقة مع الإجابات المطلوبة للجهة الداعية ، والملاحظ الرابعة إن مخرجات الورشة في جوهرها لا تلمس فيها شيء جديد عما كان مألوفا ، ولكن الجديد أن المدرخ صاحب الدعوة الخلفي ورابطة أبناء المنخفضات كلاهما يحضران لأول مرة وجها لوجه وهما منظمتان مدنيتان متصادمتان في مطالبهما ، فعن قرب عرف بعضهما بعضا وعرفت الجهة الداعية مطالب الرابطة مباشرة ، إن رابطة المنخفضات للم الشمل ما قدمته في مذكرتها التي تم نشرها في المواقع للإطلاع عليها ، كانت  رؤيتها  شاملة وتحليلها دقيق  ومطالبها عادلة ومدعومة بقرائن بما حدث في سابق العقود قبل الاستقلال وبعده ، وبهذه المشاركة أنجزت لتسمع صوتها لكل الأطراف في أول لقاء لها مع فصائل ومنظمات المعارضة والجهة الداعية ، وبالمشاركة يمكن أن تسمع صوتك  وبالانعزال يحجب صوتك ، ويجب أن تشارك في المستقبل حتى مع خصومها الذين يرفضون فكرتها لأن المشاركة هي التي توصل إلي الحلول النهائية المطلوبة ، و الذين اعتبروا أنها لم تنجز وأخفقت في مشاركتها وتنازلت عن مطالبها قالوا ذلك لأغراض تخصهم وغير محقين في ذلك ، ولأنهم  كانوا معترضين في تأسيسها ، و ما حققته هو انجاز لحداثة نشأتها وهذا يرجع للتعبئة القوية التي قامت بها لجماهير المنخفضات ووضوح رؤيتها ، وما وجدته من دعم هو الذي رشحها لهذا الحضور فالمدح هنا لا يكون إلا لشخص يطلب البقاء ، ولكن الاستمرار في الوجود يكون بالتقييم من أجل الاستمرارية والبقاء ، فالسعي لإحباط معنويات منتسبيها شيء من الوهم ، وقضية الأرض بالتأكيد هي من القضايا الأساسية للرابطة ، ورغم أنف النافرين سيخضعون للنظر فيها ومناقشتها حتى بقية الفصائل لا تستطيع اليوم أن تتجاوزها فهي أصبحت من الثوابت ، أما العلمانية التي تم إقرارها أساسا أقرت بها كل الفصائل ومن بينها الفصائل الإسلامية -التي يتباكي بعضها – في الاجتماعات والمؤتمرات السابقة ودون مزايدة فقبول الدولة المدنية كان يعني قبول الدولة العلمانية ، والملاحظة الخامسة أن المدرخ وهو تنظيم مدني ولكن في حقيقته اتضح وخاصة بعد الدعوة لاجتماع نيروبي أنه تنظيم ديني مسيحي متعصب يقوده مثقفون وهو أداة النظام في الخارج ، فالنظام بدل أن يلتقي مع المعارضة بنفسه مباشرة كلف وكيله المدرخ ليقوم بوظيفته في كينيا ، وهو يقوم بهذا الدور للتحاور ، وقد دعي للقاء نيروبي الفصائل المتسابقة ويتكفل نفقاتها ، والملاحظة السادسة  أيضا أن المسيحيين لا يختلفون عن فكرة طرح النظام العلماني ، لأن السيادة عند المسيحيين عامة تختلف عن السيادة في الإسلام ، فالسيادة عندهم كانت في السابق للحاكم ولكن بفكر التنويريين في أوربا انتقلت إلي الشعب ، ولكن السيادة في الإسلام هي لله ، والشعب هو المستخلف في الأرض ، ولهذا الكثير من الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي ترفض النظام العلماني ، وفي ارتريا يختلف الوضع لتقاسم سكانها الديانتين ، فالقبول بالعلمانية ضمن أسس التوافق  لا يعني القبول بعدم محافظة المسلمين علي ثقافتهم وتراثهم وإرثهم الحضاري الإسلامي في الدولة العلمانية ودون التنازل فيما يمس العادات والتقاليد من التغريب ، ولكن السؤال المهم والأساسي هو كيف تفكر الحركات الإسلامية في ارتريا بهذا الخصوص وماذا أعدت لذلك ؟ ما لاحظناه إن البعض منها أصدر بيانات تحفظه علي العلمانية التي وردت في توافقات الورشة ، وأعتبر البعض أن عدم حضور هذه الفصائل الإسلامية أثر في ذلك ، ولكن لا يعرف أحدا ما هو رأيها في العلمانية؟ فهي قبل هذا لم تفصح عنها ، وقبلت بصيغة الدولة المدنية في مؤتمر أواسا ولم تتطرق لمثل هذا الموضوع ، وصيغة الدولة المدنية التي قبلت بها كانت تعني العلمانية بوضوح ، وأنا عندما أطرح هذا الموضوع ليس لشيء أخر ، ولكن أقول إن الفصائل الإسلامية ليس لها طرح لمثل هذه الموضوعات وهي تتخبط ، الآن المدرخ نعتبره تنظيم مسيحي متعصب يحاور بتفويض من النظام  ويضع أمامه مصالح المسيحيين ، وفصائلنا ومنها الإسلامية ، حقيقة في طرحها تقبل بكل الطروح إذا حضرت اللقاءات ، وترفض ذلك إذا غابت ، فهذا ما تمارسه عمل سياسي وليس فيه  مطلب ديني بالنسبة للفصائل الإسلامية  ، مثل هذه القضية ليست قضية تنظيم واحد وإنما هي قضية دين تمس المجتمع ، لهذا يتطلب أن تكون الرؤيا فيها موحدة ،  والسؤال لماذا لم تجتمع الفصائل الإسلامية  قبل ذلك وحتى في المستقبل وتحدد صيغ إسلامية في قضايا تمس مصلحة المسلمين في هذه الدولة ذات الطائفتين؟ بدل إصدار البيانات في مطالب لا يعرفوا حدودها ، فهل يستطيعوا إثبات إسلامية الدولة في ارتريا إذا رفضوا العلمانية؟ و برأيي المتواضع أقول هناك خلل في بنية الفصائل الإسلامية السياسية في ارتريا في هذه المرحلة ، وهم يعلمون أن العالم اليوم أصبح حساس جدا تجاه فصائل الإسلام ، بما ترتكبه القاعدة وداعش من إرهاب ، وأصبح شرهم يعم الجميع ، وهذا كذلك ما تخشاه هذه الفصائل ، فالتصنيف أصبح لا يحتاج لدراسة بل يكفي أن يكون تنظيم اسمه إسلامي ، إن المطلوب من هذه الفصائل هو أن تنشئ جبهة إسلامية ارترية عريضة وبخصوصية ارترية و بدراسة واضحة تدرس فيها مصالح المسلمين الارتريين في الدولة بدل أن تقوم أسس هذه الفصائل علي السلفية الوهابية أو الإخوانية البنيويّة ، مع احترامي لقناعاتهم ،  فأساس الوهابية مبني علي أراء وفتاوى شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله ، وحقيقة في زمانه كان وضع المسلمين محزن في العقيدة من انتشار البدع وإدعاءات النبوة والإلوهية من بعض الشيعة ، والحلول أو الإتحاد مع الذات الإلهية من غلاة الصوفية السنة وبناء المزارات في البلاد الإسلامية في الجزيرة العربية والعراق والشام وبلاد الفرس وخراسان لتواجد الطائفتين في هذه البلاد  ، فالشيعة وغلاة الصوفية في أرتريا غير موجودين عبر التاريخ  حتي القبب التي أقيمت لبعض المشايخ محدودة جدا وحديثة ولا تتجاوز أصابع اليد الواحدة ، وفي التنوير  ساهموا جزاهم الله في ذلك ، وكذلك مع انتشار العلم أصبح زوار هذه الظواهر القليلة أقل مما كان  ، وإذا ذهبنا إلي المذهب الإخواني فأساسه كان رد فعل لسقوط الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى ، وهو مذهب أممي ومن المستحيل أن نخطف دوله نصفها مسيحي وخلفيته الأقوى ، ونعمل لندخل بها في مثل هذه الدولة الحلم إن وجدت ، إن الأحزاب اليسارية الأممية فشلت في ارتريا لعدم قابلية فكرهم مع الواقع الارتري ، لهذا استقووا بقبائلهم وفشلوا وكان آخرهم أفورقي ، وهذا ما هو حاصل في الفصائل الإسلامية ، علي الرغم أننا لا نقارن اليسار بالإسلام ، ولكن الفكر الذي يعمل في أرضية لا يحقق فيها نتائج فوجوده رمزي وغير مجدي ، فأي فصيل يقوم فكره بعيدا عن الواقع يكون في تأثيره المطلبي محدود كالحالة في ارتريا حتى وإن كبر حجمه ، لأنه بعيد عن التعبير الحقيقي عن مصالح مجتمعه المسلم في دولة تتنازعها الطائفية ، وهذا ما تفقده هذه الفصائل الإسلامية داخل المجتمع الارتري المسلم ، وهي الحالة التي يرثي لها ، وما يقومون به من إنشاء الخلاوي والمدارس والمعاهد ممكن تقوم به أي جمعية إسلامية وهو مستوي دون المطلوب منهم .

.

.

.

شاهد أيضاً

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الأول أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي   تحاور مجلة الناقوس المناضل الكبير عبدالله سعيد …

شخصية العدد- المناضل المغييب محمد عثمان داير (الناقوس العدد 11)

       المناضل المغيب / محمد عثمان داير                   …

المنخفضات -تنخفض الأرض.. ترتفع الهمم (الناقوس العدد 11)

بقلم/ ياسين أمير الجغرافيا رسم الاله على صفحة الكون.. والجغرافيا ترسمنا حين نحسب أننا رسمنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *