كل عام وسبتمبر ذكري مجيدة … هل كان إعلان الثورة الارترية عشوائياً ؟

erit

 

الأستاذ محمد نور موسى

إعلان الثورة الارترية لم يكن عشوائياً كما يدعي أعداء سبتمبر لقد سبق إعلان الكفاح المسلح إعداد سياسي وتعبئة جماهيرية وترتيبات حتى لا تتعثر في مهدها ، وهذا دليل قاطع بأن الثورة المسلحة في إرتريا ليست عمل عفوي وإنما هي وليدة تراكم تجربة نضالية خاضها الشعب الارتري وهذا يدحض أكاذيب القوي المعادية لأن هؤلاء ينكرون حقيقة الثورة.

لقد سبق إعلان الكفاح المسلح نضال سياسي سلمي خاضته جماهير شعبنا في كل المدن الإرترية بقيادة حركة التحرير الارترية …. حيث تمكن هذا التنظيم من تأطير القسم الأكبر من الشعب الارتري في المدن،إلا أن النهج السياسي لحركة التحرير لم يصمد أمام العنف والهجمة الشرسة التي اتبعها النظام الإثيوبي ضد حركة التحرير الارترية حيث تم إعتقال أعداد كبيرة من الوطنيين العاملين في صفوف الحركة وزج بهم في السجون الارترية وأرسل البعض منهم إلي سجون إثيوبيا هذه الاعتقالات شملت كل المدن الإرترية ، ومن هنا بدأ الشعب الارتري وقواه الوطنية في البحث عن أسلوب عمل سياسي يستطيع أن يواجه العنف الإثيوبي بعنف مماثل لأن النظام القمعي البوليسي في إرتريا والذي كان يسيطر على قيادته عملاء إثيوبيا من أبناء الكبسا المسيحيين وكان هؤلاء بالمرصاد للوطنيين الارتريين الذي كان جلهم من أبناء المنخفضات مما حظي بالجماهير ألإلحاح على قيادات القوى الوطنية مواجهة العنف الإثيوبي الشرس الذي كان يهدف إخضاع الشعب الإرتري بالحديد والنارلابد أن يتم مواجهته بعنف ثوري منظم قادر على أن يوقف القمع الإثيوبي البربري.
في ظل هذا المناخ ولد تنظيم جبهة التحرير الإرترية في القاهرة شارك في إنشائه القادة السياسيين الملاحقين والمطاردين من قبل إثيوبيا وبعض من الطلاب الارتريين هناك في العام 1960 .

لم يتوقف العنف والملاحقات الإثيوبية لكل الوطنين الارتريين في كل المدن الارترية وكان القائد الشهيد حامد إدريس عواتي في مقدمة المستهدفين ، وقد تلقي القائد معلومة عن القرار الذي اتخذته الحكومة الإثيوبية القاضي باعتقاله فقرر أن يعلن خروجه إلي الميدان معلناً انطلاقة الكفاح المسلح في الأول من سبتمبر 1961 م وجد هذا الإعلان تجاوب منقطع النذير شمل قطاعات كبيرة من الشعب الارتري ، وقد إلتف الشعب في الريف حول القائد عواتي بكل ما يملك من إمكانيات بشرية ومادية وهذه خير دليل يؤكد إستعداد الشعب وأنه كان مهيئاً لتحمل ما سيترتب على إعلان الكفاح المسلح لأن هذا النهج الثوري هو ما كان يطمح إليه في مواجهة العنف الإثيوبي الغاشم .

هذه التجربة السياسية تختلف عن تلك التي سبقتها لأنها تنتهج العنف الثوري المنظم في مواجهة العنف الإثيوبي البربري حيث أصبح للشعب الإرتري ذراع عسكري مسلح يقوم بضرب وتصفية عملاء إثيوبيا في المدن وفي الأرياف…. لم يتوقف العنف الإثيوبي الغاشم ضد الشعب الإرتري بل زاد أكثر شرسة بلغ حد إحراق الموطنين في الريف داخل بيوتهم حتى الموت.

وكما نعلم أن الدعم الخارجي يعد من العوامل الرئيسية في تحقيق النصر إلي جانب ألدعم الداخلي الذي كانت تقوم به جماهير شعبنا من أجل أن تبقي شعلة الثورة متقدة … وأن عمق الثورة الإرترية ومحيطها العربي كان غارقا في الحرب الجزائرية الفرنسية .التي وقف خلفها الشعب العربي بأسره .
إن الحرب الثورية التى كان يخوضها الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي ، وجدت الدعم الغير محدود من الدول العربية حديثة الاستقلال وأن شعبنا الإرتري في المنخفضات الغربية والشرقية بحكم ثقافته العربية كان يتابع أخبار المد الثوري الذي كان يجتاح المنطقة العربية عبر وسائل الإعلام العربية من خلال الإذاعات الناطقة بالغة العربية وهذا ما كان يميزهم عن شركائهم المسيحيين في منطقة المرتفعات فتفاعلوا فور إعلان الشيخ الشهيد القائد حامد إدريس عواتي الثورة فالتفوا حولها ودعموها بالمال والسلاح والرجال ،ولذلك استطاع عواتي ورفاقه بالرغم من قلة عددهم وعتادهم أن يغطوا مساحات شاسعة في الريف الارتري خلال فترة زمنية قصيرة ما كان ليتحقق ذلك لو لا الدعم والمساندة من هذا الشعب العظيم شعب المنخفضات.

لقد تميز الوطنيون الارتريون بحس ووعي سياسي رفيع أهلهم لفهم واستيعاب قيام ثورة مسلحة قادرة على التصدي للعدو الإثيوبي والنهوض بالثورة والمضي إلي الأمام ، وهذا بالتأكيد ترجم على أرض الواقع من خلال التحاق الشباب بالعمل الثوري المسلح .

في نهاية الخمسينات وبداية الستينيات من القرن الماضي عم نوع من الحروب عرف بحرب العصابات ( حرب الكر والفر ) وقد انتهج القائد الشهيد عواتي هذا النوع من الحرب لم يستورده من الخارج بل هو صناعة وطنية لم يقتبسه من أية تجارب أو من أي مدارس عسكرية ، وإنما من تجربته القتالية وحسه العسكري ، وقد تبعه في ذلك كل من التحق به حتى أولئك الذين درسوا في الكليات العسكرية في العراق وسوريا لم يبدلوا في النهج الذي تركه عواتي .

فالشعب اصلاً كان مهيئ والثوار وجدوا الدعم والمساندة والحماية من الشعب وكان لكل من الشيخ محمد ود داود والشيخ سليمان الدور الكبير في وقوف جماهير الريف الارتري إلي جانب عواتي ورفاقه وأمدوهم بالطعام ووفروا لهم الحماية كما تبرع الشيخ محمد داود والشيخ سليمان بعدد من البنادق لطلائع جيش التحرير البنادق الإيطالية الخمسة التي يرد ذكرها في تأريخ الثورة تبرع بهما هذان الشيخان المناضلان الله يرحمهم ويغفر لهم هذه البنادق العتيقة تذكر في تأريخنا ولا يذكر من قدمهما.

لماذا انطلقت الثورة المسلحة من المنخفضات ؟ هل هذا الانطلاق أيضاً تم بشكل عشوائي ؟ كما يروج أعداء سبتمبر ورموزه لا أعتقد ذلك ، إذن لماذا لم يتم الانطلاق من مناطق إرتريا الأخرى؟ ،هل لأن المناطق الأخرى غير مهيأة سياسياً للقيام بهذا الدور التاريخي … ؟!!!

الظروف الموضوعية والإستراتيجية هي التي فرضت أن ينطلق الكفاح المسلح من منطقة المنخفضات حيث الشعب كان مهيأ لخوض هذه الحرب أكثر من غيره لأنه يكره أثيوبيا ولا يريد أن يرتبط بها وقد ظهر ذلك بأن دعاة الاستقلال كان جلهم من المسلمين ، وعندما ارتبطت إرتريا فدرالياً بإثيوبيا بحكم الموقف المتخاذل الذي وقفه شركاؤنا الذين طالبوا الانضمام إلي أثيوبيا بالإضافة إلي الدعم السياسي والدبلوماسي الذي قدمه الأمريكان من خلال تبني الإتحاد الفيدرالي مع أثيوبيا.
إذا كان هذا هو الوضع الذاتي للشعب ، فأن موقع المنخفضات الارترية كان أكثر ملائمة من أي موقع أو منطقة إرترية أخري حيث الحدود الواسعة مع جمهورية السودان بالرغم من أن النظام في السودان كان معادياً للثورة الارترية وكانت تربطه علاقات صداقة حميمة مع نظام هيلي سلاسي ، إلا أن الشعب السوداني الشقيق عامة وأهل الشرق خاصة وقفوا إلي جانب الثورة الإرترية ويعود الفضل في ذلك إلي أبناء المنخفضات العاملين في صفوف الجيش السوداني أنذاك .
إذن الاختيار تم كما ذكرنا أعلاه ، لأن عمق آهل المنخفضات هو السودان ، وأثيوبيا البلد الذي استولي على إرتريا لا يمكن أن يكون عمق لإرتريا الثورة ، ولا يمكن أن ينطلق الكفاح المسلح إلا من منطقة المنخفضات للأسباب التي ذكرنها.

انطلاقا من هذه الحقائق انطلقت الشرارة الأولي من منخفضات إرتريا ، وكان السودان إلي جانب البحر الأحمر بوابة الثورة الإرترية إلي العالم الخارجي، وكان للقوي الوطنية السودانية ممثلة في الأحزاب السياسية في تلك الفترة دور سياسي داعم استطاعت الثورة الإرترية عبره الحصول على دعم محدود تمثل في استقبال جرحي حرب التحرير في المستشفيات الحكومية ، وكانت صحف بعض الأحزاب تنشر أخبار المعارك التي كانت تدور رحاها في تلك الفترة.
كان الموقف الرسمي السوداني لبعض الحكومات معادي للثورة الإرترية ، وكان يلاحق قيادات الثورة ويمنع نشاطها داخل الأراضي السودانية ، ويبعد المقاتلين الذين كانوا يأتون لقضاء إجازاتهم مع أهاليهم إلي منطقة الحدود.

إدراكا من قيادة الجبهة أهمية الدعم الخارجي لتحقيق النصر ….فقد قامت بزيارات متكررة في العديد من الدول العربية حيث تكلل تحركها السياسي بالنجاح …. فقد تمكنت قيادة جبهة التحرير الإرترية أن تفتتح لها مكاتب سياسية في المنطقة العربية وقد لعبت هذه المكاتب دوراً سياسياً وإعلامياً للتعريف بالقضية الإرترية وجلب الدعم العسكري والسياسي وكان لدعم الدول العربية دور إيجابي ساعد في نمو الثورة وتعزيز دورها السياسي في محاصرة أثيوبيا حيث أصبحت المنطقة العربية مغلقة على النظام الإثيوبي .

هذا الدعم الذي حصلت عليه جبهة التحرير الارترية لم يقتصر في الدعم العسكري والسياسي ، بل شمل ايضاً التعليم فقد استوعبت العديد من الجامعات في كثير من البلدان العربية استقبال كم لا بأس به من الطلاب الإرتريين ، كما حصل العمال الإرتريين من بعض البلدان العربية الشقيقة مجال في العمل في الأسواق ، وكان لدعم ومساهمة هؤلاء دور كبير في تخفيف العبء عن الثورة.

ومع إزدياد حجم رقعة عمليات الثورة قررت قيادة الجبهة تقسيم إرتريا إلي مناطق عسكرية من آجل أن تنتشر الثورة لتعم كل الريف الإرتري ، لقد حقق هذا التقسيم الهدف الذي من أجله تم تقسيم إرتريا إلي مناطق عسكرية حيث إنتشرت الثورة في كل أرجاء البلاد وأصبح لديها خلايا في المدن تقوم بالتعبئة السياسية وسط الجماهير ، كما أن هذه الخلايا تستقبل الفدائين وترشدهم على المواقع التي سينفذون فيها عملياتهم .

ومع انتشار الثورة وأتساع رقعة عملياتها في المدن والأرياف وزيادة عدد الجيش واللجان الشعبية في الريف والمنظمات الجماهيرية…. استطاعت أن توقع ضربات موجعة بالعدو الإثيوبي ، ورداً على الانتصارات العسكرية التي تحققت…. اتبع النظام الإثيوبي في العام 1967م سياسة الأرض المحروقة في المنطقة الأولي فقتلت وهجرت أعداد كبيرة من سكان تلك القري ، تشرد على إثرها الآلاف من سكان القري وعبر ثلاثين ألف نسمة إلي شرق السودان من جراء سياسة الأرض المحروقة التي أتبعتها قوات الجيش الإثيوبي .

شاهد أيضاً

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الأول أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي   تحاور مجلة الناقوس المناضل الكبير عبدالله سعيد …

شخصية العدد- المناضل المغييب محمد عثمان داير (الناقوس العدد 11)

       المناضل المغيب / محمد عثمان داير                   …

المنخفضات -تنخفض الأرض.. ترتفع الهمم (الناقوس العدد 11)

بقلم/ ياسين أمير الجغرافيا رسم الاله على صفحة الكون.. والجغرافيا ترسمنا حين نحسب أننا رسمنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *