قراءة عبر منظار الوحدة الوطنية لميثاق رابطة أبناء المنخفضات

علي عافه إدريسعلي عافة

سأحاول في هذا المقال قبل قراءة رؤية الرابطة للوحدة الوطنية الحديث في محورين مهمين أولهما مفهوم الوحدة الوطنية ، وثانيهما الوحدة الوطنية الأرترية بين المتخيل والمأمول ، ثم أختم ذلك بقراءة لرؤية رابطة أبناء المنخفضات للوحدة الوطنية من واقع ميثاقها.

مفهوم الوحدة الوطنية
يتألف مفهوم الوحدة الوطنية من عنصري الوحدة والوطنية ، وهي ناتج اندماج هذين العنصرين ، فالوحدة تعنى تجميع الأشياء المتفرقة في كل واحد ، أما الوطنية استمدت مفهومها من مفهوم كلمة الوطن الذي هو عامل دائم وأساسي للوحدة الوطنية ، وهى ما يوصف بها كل شخص يقيم في الوطن كتعبير عن انتمائه لمجتمعه وتفانيه في خدمته والإخلاص له، والأساس في الوحدة الوطنية هو الإنسان الذي يعيش في الوطن ، والذي ارتبط به تاريخياً واجتماعياً واقتصادياً، فتحول مع الأيام وجوده في ذلك الوطن الذي لم يختاره ، إلى تواجد وإنتماء لهذا الوطن عن طيب خاطر ، وكل ذلك أنتج تعريف للوحدة الوطنية في أنها قيام رابطة قوية بين مواطني دولة معينة، تقوم على عناصر واضحة يحس بها الجميع ويؤمنون بها، ويستعدون للتضحية في الدفاع عنها ، وهناك الكثير من العوامل التي تؤثر في الوحدة الوطنية إيجابا كانت تلك المؤثرات أم سلبا ، ومن المؤثرات الايجابية والمهمة للوحدة الوطنية التوافق الديني والطائفي والعرقي ، و لهذا المؤثر تأثير السحر على تماسك الوحدة الوطنية ، فإذا غاب يجب أن يخلفه التمازج العنصري بين مكونات الشعب الناجمة عن التزاوج والتداخل بين أفراده بكل مكوناته العرقية والدينية ، و من العوامل التي تؤثر ايجابا أو سلبا كذلك النظام السياسي عبر كثير من الادوات التي يملكها مثل الجيش الذي يسهم في تحقيق التكامل بين أفراد الشعب الواحد والأدوات الثقافية من خلال إيجاد نظام واحد للقيم ، وعبر الادوات الاقتصادية حيث المساواة بين أفراد الشعب وخلق حالة من الرضى بغض النظر عن الاصول العرقية والطائفية ، وعبر الادوات الإدارية من خلال خلق قنوات الاتصال الحكومية والسياسية الفعالة والقادرة على إقامة الصلة بين المواطنين والدولة ، وضمان تمثيل الإثنيات العرقية والدينية المختلفة في هذه المؤسسات وكذلك من خلال إقامة مؤسسات مركزية قوية، و من خلال مساهمته في تطوير المجتمع، وأنظمته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وترفعه فوق الاعتبارات الطائفية، والعرقية، والإقليمية.

الوحدة الوطنية الأرترية بين المتخيل والمأمول:
الرؤية الارترية للوحدة الوطنية بافتراض حسن النية لدى كل الاطراف تستند على منطلقات أربع : أولها الخطاب الوحدوي ويندرج ضمنه الأغاني والاناشيد الوطنية و ثانيها الاقليم الجغرافي المشترك ، وثالثها التاريخ والأمجاد المشتركة، ورابعها المشتركات الثقافية والإجتماعية ، ورغم أهمية هذه العناصر للوحدة الوطنية إلا أنها غير كافية لبناء وحدة وطنية يعتد بها ، لهذا فشل النظام في اقامتها وقد اتيحت له فترة أكثر من عشرين عاما لوضع لبناة حقيقية لبنائها إلا أنه سلك أساليب غير صحيحة لتحقيقها ، فمشروع الوحدة الوطنية الذي طرحه في فترة النضال واستمر بتنفيذه في مرحلة الدولة هو مشروع ( حادي لبي حادي
هزبي ) وهو كشعار كان بالإمكان تحقيقه باعتبار إن الشعب الارتري شعب واحد بحكم الجغرافيا والتاريخ النضالي والامجاد المشتركة ، إلا أن هذا المشروع بني على رؤية طرف واحد وهي رؤية شوفينية قصد منها إنتاج حقائق سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية علي الأرض ، فبالتالي المشروع بني على حسابات الربح والخسارة في كافة المجالات ، يفوز فيه الطرف القوي ويخسر فيه الطرف الضعيف ، واعتمد طارحوه في تسويقه على الأغاني والاناشيد الوطنية ، وكذلك اعتمدوا على الترغيب و التلقين بحقائق التاريخ المشوه والامجاد المضخمة ، وتهديد كل من له رأي مخالف بتهمة أشبه بتهمة معاداة السامية وهي تهمة الاضرار بالوحدة الوطنية. ثم أن هناك رؤية تنظيمات المعارضة الارترية للوحدة وهي رؤية في شكلها العام قد لا تختلف مع رؤية النظام بافتراض حسن النية في النظام فكلاهما يتمسك بالوحدة الوطنية لذاتها وليس لمحتواها إلا أن مرتكزات كل منهما تختلف عن الاخر ، فلدى المعارضة وعلى الاخص تنظيمات المعارضة ذات الأكثرية المسلمة بالاضافة للاقليم المشترك والتاريخ المشترك والامجاد الباذخة المشتركة هناك الثنائيات المكونة للوطن ــ الدين واللغة والثقافة ــ إلا أن كل تلك الثنائيات لم يتم اخراجها من اطار العموميات ، فلم يتم إسناد تلك العناصر الهامة بمشروع يتم إنجازه برضى وتوافق الجميع وذلك لاخراجها من الواقع المتخيل للواقع العملي.

رؤية رابطة أبناء المنخفضات للوحدة من واقع ميثاقها :
من المعروف، أن رابطة أبناء المنخفضات منظمة مجتمع مدني حديثة إلا أن ذلك لا يمنع أن تكون لها رؤيتها للوحدة الوطنية خاصة وأنها لم تولد من عدم فعضويتها تتكون من ناشطي المعارضة وقيادتها من العناصر الفعالة في نشاطات المعارضة الارترية ، فهي ليست نبت بلا جذور ، بل هي نتاج لتراكم خبرات المعارضة الارترية ولا زالت كل عضويتها نشطة في اطار تنظيماتها السياسية ، لهذا رؤيتها مستمدة من الخبرات المكتسبة من التجارب الارترية المتنوعة. تنطلق الرابطة من معايير مدنية ، وهي منظمة تبني سلطتها وفق أسس وآليات قانونية وديمقراطية، وتعمل على تطوير قيم الحرية وممارستها، وكذلك المساواة والعدالة واحترام حقوق الإنسان ، فضلا عن أنها توحد بين مكونات شعبها، وتحمي “التعددية” بأشكالها والخيارات الثقافية والحضارية والتربوية، فيجري تطبيق الديمقراطية على أسس المواطنة، فيتساوى جميع أفراد المجتمع ويتماسكون وراء فكرة الدولة والهوية الوطنية.
وبتتبع بسيط لما ورد بالميثاق أن الوحدة الوطنية تتمثل في ثلاثة أمور : الأول يتعلق بالماضي، والثاني يتعلق بالحاضر، والثالث يتعلق بالمستقبل أي أنها قيم روحية وأخلاقية قبل كل شيء ، لأن الوحدة الوطنية تظهر في الأمة التي تشترك في أمجاد الماضي من ناحية، ورغبات الحاضر، وآمال المستقبل من ناحية أخرى ، وان الشعب الارتري لديه من الآلام المشتركة أكثر من الافراح المشتركة ، وأن الآلام المشتركة تربط وتوحد الأفراد أكثر مما توحدهم الأفراح المشتركة ، ثم أنها تؤكد أن الوحدة الوطنية ليست مشروع جاهز يمكن تطبيقه على أرض الواقع متى ما أردنا ذلك وهي هنا تتوافق مع حقائق السياسة والاجتماع التي تؤكد دوما أن الوحدة الوطنية وفي كل تجارب الشعوب والدول ليست برامج ومعطيات جاهزة يمكن انزالها لأرض الواقع، بل هي مشروع يجب إيجاده وتأسيسه بمفاهيم ومضامين فكرية وسياسية اجتماعية واقتصادية وثقافية.
فما هي تلك الحقائق المهمة التي يجب أن يبنى عليها مشروع الوحدة الوطنية؟

تلك الحقائق يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1. أول خطوات ذلك المشروع هي فهم حقائق التعدد والتنوع وكافة الموضوعات الجوهرية التي يتشارك فيها المجتمع الإرتري , من مبادئ وقيم وأفكار وممارسات والانطلاق منها لصياغة مشروع يضع في إعتباره مفاهيم المواطنة المتساوية والوحدة الوطنية ودولة المواطنة فوق كل إعتبار.
2. رغم أهمية وحيوية الخطاب الوحدوي والأغاني والاناشيد الوطنية والحيز الجغرافي المشترك ، و الأمجاد الباذخة المشتركة ، و المشتركات الثقافية والإجتماعية ، إلا أنها تظل كلها قاصرة أمام بناء وحدة وطنية متينة وصلبة ، مالم يتم إسناد تلك العناصر الهامة بمشروع يتم إنجازه برضى وتوافق الجميع بما يؤسس لشراكة حقيقية وفعلية ، على أسس المواطنة الكاملة ، وصيانة حقوق الإنسان وكرامته ، وتكافؤ الفرص الوظيفية والإدارية والسياسية.
3. الثنائيات الشهيرة(الدين واللغة والثقافة) رغم أهميتها ما هي الا أحد تجليات الواقع وأحد مستويات الصراع الإرتري ، وأن هناك أوجه أخرى للصراع على مستوى المكونات المختلفة للمجتمع الإرتري تشمل الثقافات المحلية والأرض والمشاركة في السلطة والثروة والمصالح عبر الحدود.
4. التعاطي والتفاعل فيما يتعلق بالمصالح يختلف من مكون لآخر على حسب موقعه الجغرافي وتكويناته الإثنية ورؤيته الخاصة ومدى تضرره المباشر من عدمه، فعلى سبيل المثال هناك من هم مستفيدون من السياسات الحالية لنظام الحكم الديكتاتوري القائم فيما يتعلق بمسألة الأرض وغيرها وهناك في الطرف المقابل متضررون.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
للتواصل aliafaa@yhaoo.com

شاهد أيضاً

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الثاني أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي متابعة : ماذا حدث لك بعد نجاح العملية …

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الأول أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي   تحاور مجلة الناقوس المناضل الكبير عبدالله سعيد …

شخصية العدد- المناضل المغييب محمد عثمان داير (الناقوس العدد 11)

       المناضل المغيب / محمد عثمان داير                   …

تعليق واحد

  1. اولا اعبر عن جزيل شكري و تقديري للكاتب المخضرم صاحب المقال الأخ علي عافة الذي عودنا دائما بمساهماته المفيدة و الجادة في قضايا و مواضيع اساسية و استراتيجية عديدة و منها مسألة الوحدة الوطنية المطروحة حالياً . ان الوحدة الوطنية رغم اهميتها الحيوية لم تحظ با لاهتمام و لمعالجات الموضوعية العلمية المطلوبة عبر التأريخ الوطني من حيث التوافق على الفهم النظري الصحيح حولها و الممارسات التطبيقية الجادة لبنائها وتعزيزها على ارض الواقع . بل عكس ذلك كثيرا ما تستغل من النخب القيادية في صراعاتها على السلطة و لخدمة مصالحها التكتيكية الضيقة مما قوض فرص و امكانيات تحقيق الوحدة الصلبة رغم تكرار توافر المناخ المناسب و الارضية الصالحة لذلك في المراحل النضالية المختلفة و آخرها ابان الأستقلال الوطني.
    الكل يحلم بالوحدة الوطنية و البعض يختلط عليه الأمر بين الحلم و الواقع و يعتبر ان الوحدة فعلا موجودة على ارض الواقع و عليه يجب الحفاظ عليها وان اي عمل حتى المطالبة بالحقوق المشروعة يُصور و كأنه تهديد لهذا الحلم او الوحدة الأفتراضية التي يُساء استخدام شعارها كبعبع او فزاعة و كثير من الحملات المسعورة التي تعرضنا لها كرابطة تاتي من باب الفهم الخاطئ او المتعمد من البعض.
    وكما ذكر الكاتب في المقال ان هناك ارضية مواتية للوحدة و لازالت توجد بعض المقومات لبناء الوحدة و لكن حتى نبدء في بناء مشروع وحدة متينة يجب ان نتفق على الأسس و المفاهيم الصحيحة التي يجب ان تنطلق منها و تقوم عليها الوحدة و خاصة بعد الضرر الذي الحقه النظام بالنسيج المجتمعي بارتكاب المظالم و حرمان و مصادرات الحقوق و الذي اثر سلبا على العلاقات البينية و افقد عامل الثقة و حسن النية الذي كان متوفر بين المكونات. و عليه ارى اي واحدة جادة يجب ان يسبقها برنامج عمل مكثف للمصالحة الوطنية لمعالجة الأثار السلبة و المرارات التي تراكمت عبر الزمن و ان تكون على اساس :
    الأرادة الطوعية للأطراف و الأعتراف و القبول المتبادل بالتعددية الثقافية و المجتمعية و الحقوق و المصالح الخاصة لكل الأطراف و المساواة في المواطنة و الفرص والمشاركة العادلة في السلطة و الثروة ، و ذلك بضمان التوافق على عقد اجتماعي جديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *