عواتي وبانوراما ثورة الفاتح من سبتمبر المجيدة


عندما يبلغ الإضطهاد والظلم ذروته يبدأ الاندياح المتوالي لانطلاق ثورات الشعوب بطريقة خلاقة، تحاكي سر الخليقة ألقاً وعظمة وبهاء.
ففي تجربة الكفاح المسلح الإرتري، كان صاحب البدء فكرة وخطوة عواتي حيث ان دوافع الانطلاق كانت قد نضجت عنده منذ زمن بعيد، فهو لم يسبق الجميع في اطلاق الشرارة الأولى للكفاح المسلح فحسب، بل كان سباقا في الفكرة نفسها، على حسب ما جاء في شهادة مؤسس جبهة التحرير الارترية الشيخ ادريس محمد آدم في مقابلة اجراها معه الخبير الألماني في الشأن الإرتري السيد غونتر شرودر، والتي وردت في كتاب الدكتور محمد خير عمر – The Dynamics of An Unfinished African Dream )دينامكيات حلم افريقي لم يكتمل)، بأن عواتي كان يفكر في الثورة منذ عام 1956م، فقد زاره في اسمرا عندما كان رئيسا للبرلمان الإرتري وطرح عليه ضرورة القيام بعمل ما لأن الوضع في البلد اصبح لا يحتمل، وكرر الزيارة له مرة أخرى بذات الخصوص في مدينة أغردات في نفس العام بعد تنحيه من رئاسة البرلمان، إلا أن الشيخ ادريس طلب منه في المرتين التريث وعدم الاستعجال في بدء الكفاح المسلح بعدد قليل من المناضلين خشية من أن يُقضى عليه في مهده ويؤثر ذلك سلباً على معنويات الجماهير.
وما تجدر الاشارة اليه هو انه عندما كان عواتي يسعى للقيام بعمل مسلح ضد اثيوبيا، لم يكن هناك أي تفكير جاد سبقه لمواجهة اثيوبيا بالقوة في تلك الفترة، ولم يتم تاسيس أي تنظيم سياسي أو سعي لانطلاق كفاح مسلح، كما لم يتم انزال العلم الارتري وقتها، حيث أن زخم الحراك السياسي والمظاهرات وغيرها كانت في العام 1958م، وهو نفس العام الذي تأسست فيه حركة تحرير ارتريا، وتلاها تأسيس جبهة التحرير الإرترية الجناح السياسي في عام 1960م.
لكنه المرجل الذي كان يمور ولم يحتمل معه القائد عواتي صبرا .. فاطلق في الواحد والستون من سبتمبر الشرارة الأولى معلناً بدء الكفاح المسلح، ولم يكن معه من العتاد سوى بضع بنادق عتيقة لاتتجاوز اصابع اليد الواحدة، وعدد محدود من رفاق دربه من المناضلين، وثقة بنفسه وشعبه وعدالة قضيته، ويقين بحتمية الانتصار.
وقد كان للمؤسسين لتنظيم جبهة التحرير الارترية في مصر بقيادة الشيخ ادريس محمد آدم في عام 1960م دوراً كبيراً في دعم ومساندة العمل في الداخل، بجانب العمل الخارجي الكبير الذي قاموا به من خلال الزيارات المتعددة لكل من الدول العربية والصين وكوبا وغيرها، لنشر قضية الشعب الارتري، وما حققوه من دعم وايجاد فرص للتدريب العسكري للمناضلين وجلب السلاح والمال اللازمين لتقوية شوكة الثورة .
وكانت الطلقة التي اطلقها عواتي في أدال في الاول من سبتمبر 1961م بمثابة الشفرة التي كان ينتظرها الجميع، فتداعت لها كافة شرائح المجتمع بتلقائية وبذات الإرادة واليقين التي مثلها القائد عواتي، فكانت النفرة الأولى من الرعيل الأول من العسكريين في الجيش السواداني، الذين تركوا كل شئ وراءهم من عمل وأُسر بدون معيل وذلك تلبية لنداء الوطن، وكان لإلتحاقهم دوراً كبيراً في تعزيز الكفاح المسلح ودعم المسيرة الثورية بما لديهم من تجربة عسكرية وخبرات ومهارات في القتال، فكانوا السند والمعين الذي استلم الراية من الشهيد ورفاقه، واستبسلوا في رفد المسيرة فداءً وبطولةً وتضحيات جليلة، كان لها الاثر الاكبر في تمدد الثورة وصلابة عودها.
واستمرت المتوالية النضالية لتشهد الثورة تدفق ارتال من الملتحقين بها الواحد تلو الاخر، فكان من ضمنهم التحاق جيل الشباب والطلاب الذين كانوا النواة الأولى للكوادر التي تأهلت في الدورات العسكرية التي تلقتها في كل من سوريا والعراق والصين وكوبا، ليرفدوا الثورة بقدرات عسكرية عالية ارتقت بالكفاح المسلح ليحقق انتصارات كبيرة قادت إلى تحرير معظم المدن الارترية في العام 1975م . ثم تلاها التحاق الإرتريين من مختلف الفئات العمرية من الجنسين الذين كان لهما دورا كبيرا في تزايد زخم الكفاح المسلح ودفعه للامام.
ولاننسى في هذه المسيرة النضالية الفذة الكوكبة التي التحقت بجيش التحرير من الداخل، ودور شعبنا الذي كان السند والحامي للثورة بدفعه لكل مايملك من اجل التحرير الذي آمن به مقدما الزاد والروح. وكذلك المرأة الإرترية التي لعبت دورا مميزاً في دعم ومساندة رجالات الرعيل الأول في بدايات الكفاح المسلح، ثم رفيقةً في النضال في مراحله اللاحقة.
واكتملت حلقات السلسلة النضالية بتكوين المنظمات الجماهيرية لجبهة التحرير الإرترية بجانب اتحاد الطلاب الذي سبقها في التكوين، ثم العمال والمرأة والفلاحين الذين كانوا بمثابة السوار الذي احاط بالمعصم ليكسبها انتشاراً في كل مناطق العالم من خلال نشر عدالة القضية اقليميا وعالميا وسط الاتحادات والنقابات المهنية.
بذلك فقداستحقت تجربة الكفاح المسلح الإرتري التي دامت لثلاثون عاماً قدم فيها شعبنا الغالي والنفيس من المال والروح أن تكون رائدة لحركات التحرر الوطني في المنطقة بجدارة، لما شكلته من لوحة بانورامية رائعة أبهرت العالم، فصولها صفحات ناصعة من الفداء والتضحية والبسالة لارتال من الشهداء الذين رصعوا جيد الوطن، وسياجها مكونات شعبنا العظيم الذي سطر اروع الملاحم البطولية التي زلزلت عرش الامبراطورية الاثيوبية، ولم تؤدي لتحقيق الاستقلال الإرتري فحسب، بل كانت الملهمة لكثير من شعوب المنطقة .

المجد والخلود لشهداء المسيرة التحررية
عاشت ثورة سبتمبر المجيدة ملهمة لمكونات شعبنا
عاشت نضالات الشعب الإرتري من اجل الحرية والعدالة والمساواة
الهزيمة والاندحار لقوى الهيمنة القومية ونظامها

1 / سبتمبر 2020
المكتب التنفيذي لرابطة ابناء المنخفضات الارترية

شاهد أيضاً

تهنئة

بمناسبة عيد الفطر المبارك تتقدم رابطة ابناء المنخفضات الإرترية للشعب الإرتري الأبي بأصدق التهاني القلبية …

الاعلام بين الماضي والحاضر

بقلم محمد نور موسى ظهر الإعلام الإرتري مع ظهور الحركة الوطنية الإرترية في مطلع أربعينات …

من مواضيع مجلة الناقوس-العدد التاسع

سعدية تسفو فدائية من جيل آخر! نقلا من صفحة الاستاذ ابراهيم حاج لترجمته من كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *