عشت حُراً و مُتّ حراً يا صديقي

abudi

كتبه/ محمد حسان

حوار شيخي! كان يحلو لي أن أُناديه دائماً بحوار شيخي. كان عبودي مولعاً بشعر الحلاج، كنتُ أطلبُ منه ـ أينما إلتقينا عبر نوافذ هذا الفضاء الواسع أن يقرأ عليَّ بعضاً منه، كان دائماً يلبي دعوتي برضى تام و تجاوب مُطلق، كان زاهداً، نقيُّ السريرة، لم يسْع إلى رضا الناس بأي وجه ولم يخالف ضميره قط . عاش زاهداً كما الحلاج و مات شهيداً كما الحلاج.

أنا المسكون بالإلحاح في إقحام نفسي في كل شأن، و ممارسة الإدمان النفسي في التداخل مع كل منشور إتفقتُ معه أم إختلفت! منشورات عبودي الأخيرة كانت تبعث الرهبة في نفسي، كنت أمرُّ عليها أكثر من مرة مذهولاً! كيف لرجل واحد أن يعلن حرباً في جبهات متعددة، كيف إتفق أن يعلن عبودي حربا على وادي الذئاب؟

عبد الرحمن عثمان بطل قومي كسر حصن الطاغوت و جعل من جسده درعاً لسد جحافله، هو زعيم حقيقي و رمز للحرية يجب أن تخلد ذكراه، لا شك عندي أن دماء عبد الرحمن الذكية و أرواح عائلته الطاهرة ستلاحق كل الطواغيت كما ستلاحق كل الجبناء فاتري العزيمة، ليّني الإرادة، الخائفين، أصحاب العقود طويلة المدى مع الوهم، أصحاب القلوب الضعيفة و القدرات المعدمة، أعني كلنا دون إستثناء.

إنْ جاز لنا أن نربط بين محمد البوعزيزي في أقصى شمال القارة ـ في تونس، مع عبد الرحمن في شمال شرقها. فمحمد البوعزيزي لم يحمل أي أيدلوجيا و لم يكن من هواة السياسة هو رجل بسيط رفض إهانة السلطة له و جعل من نفسه أضحية شريفة ليحيا الشعب، بالمقابل الوعي السياسي لعبودي لم يقابله ولاء سياسي أو ميول أيدلوجية اللّهم إلا من باب التهكم والسخرية..  كان مواطناً بلا وطن منحاز بشكل مطلق للطبقات المطحونة من مجتمعه، أياديه البيضاء تمتد بالخير إلى حيث تطاله. كان يعيش فجيعته في أبيه الذي غيبته السلطة منذ أمد، كان يعيش ألم الفقدان يومياً في كل روح يزهقها تجار البشر، في كل عضو بشري تستأصله الذئاب، في كل أسرة تفقد عائلها تحت جنح الظلام و في كل مصيبة تأتي من البر والبحر عند العاشرة.

abudi2أليس من حق عبودي أن ينال العدالة ميتاً بعد أن فقدها حياً؟ بل أليس من واجب المؤسسة العدلية السودانية ألا تسمح بتحوُّل السودان إلى مرتع للجريمة المنظمة؟ أو حديقة خلفية لدولة أخرى تنفذ فيه عملياتها القذرة؟ كل الذين تميل شكوكهم نحو حادث مدبّر راح ضحيته عبودي و أسرته يتكئون على رصيد هائل من الذكريات المريرة من القتل غيلة وغدراً والخطف ليلاً. كم من ناشط إرتري تم قتلهم أمام أعين أطفالهم أو إقتيدوا إلى أماكن مجهولة في جنح الظلام؟ السيد عثمان علي (شقير) والد الشهيد عبد الرحمن، كان واحداً  من جملة ضحايا الإستهتار بالسيادة السودانية، تم إختطافه من السودان، من قلب مدينة بورتسودان، وفي وضح النهار! في ذلك الحين كان عبدالرحمن في الثانية عشر من عمره. ولعل من من باب إيقاد الذاكرة نذكر إفادة الأستاذ المرحوم عمر جابر حول تلك الخلايا السرية في الدول المجاورة التي تم إنشائها خصيصاً لمطاردة و إصطياد المعارضين و النشطاء ضد النظام الإرتري و لعل آخر ضحايا الخطف من داخل المدن السودانية هو الناشط السياسي و العسكري السابق محمد علي إبراهيم، عضو حزب الشعب الديمقراطي الإرتري، و قطعاً لن يكون الأخير مادام الفساد وشراء ذمم عمّال الخدمة الأمنية والعسكرية يتم  بأبخس الأثمان تارة و بتوريطهم في جرائم الشرف و الأمانة تارةً أُخرى!

 هدف عبد الرحمن المركزي كان محاربة جريمة تهريب البشر ذات الطابع الدولي، هذه الجريمة التي يعتاش منها الكثيرون، رسميين و شعبيين، إرتريين و سودانيين، ثم المستفيد الأكبر إسرائيل التي تعتبر المصدر الأول لقطع الغيار البشرية حسب ما ذكرت تقارير من مصادر عدة!

  قام عبودي  بخطوات عملية هددت مصالح الكثيرين ممن إستمرأوا بناء سعادتهم فوق قبور الآخرين، ولإن مات عبد الرحمن قدَراً أو غدْراً فأن المسؤول الأوّل أدبياً هو من قتلنا جميعاً، هو من أسكننا المنافي و ملأ قلوبنا رعباً و جبناً ، هو من يريد أن يحكمنا بالخوف و يقتلنا في اليوم ألف مرة. لم يكن عبودي جبانا لذا إختار طريق الحرية ، فالحرية للشجعان و ليست للجبناء، الجبناء هم من يحكمهم او يتحكم فيهم المهرّبون و تجار البشر. هم من يتوارون رُعباً عندما يطلُّ مهرب ما، الجبناء هم من يدفعون الفدية وهم صاغرون أذلاء حسب شروط المهرب، هم من يُومِئون بطرف العين و من طرفٍ خفي أنّ ذلك مهرّب، أمّا عبد الرحمن فقد قال لهم جئت لكي أقاتلكم! فهل قتلوه؟ لعل الإجابة على هذا السؤال سننتظرها بإلحاح من الطب الجنائي و المباحث الجنائية السودانية

أما قضية تهريب البشر نثق أنّ المؤسسات العدلية ،الأمنية، الحقوقية والإعلامية السودانية ستأخذ قضية بيع الإرتريين بشكل جدي لأن ذلك أستهتار بأرواح الناس، وإهانة كبيرة للدولة السودانية، و أيٍّ من الناس؟ لاجئون  استجاروا بك يطلبون ملاذاً آمنا من بطش الطاغوت فتستهين بأمنهم وتتركهم لقمة سائغة للشيطان يفعل بهم مايريد ؟ آن للسودان أن يغسل عنه هذا العار الذي ألحقه به المجرمون و أصدقاء السوء .

أخيراً، أصدقاء عبودي كُثر في كافة مفاصل الدولة و في الخارج يقيني أنهم سوف يعملون قدر إستطاعتهم في إنجاح مشروع عبودي المتعلق بحماية اللاجئين و التعاون مع السلطات في تقديم المجرمين إلى العدالة.

شاهد أيضاً

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الثاني أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي متابعة : ماذا حدث لك بعد نجاح العملية …

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الأول أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي   تحاور مجلة الناقوس المناضل الكبير عبدالله سعيد …

شخصية العدد- المناضل المغييب محمد عثمان داير (الناقوس العدد 11)

       المناضل المغيب / محمد عثمان داير                   …

2 تعليقان

  1. كان مواطنا بلا وطن ، بل كان الوطن كله في قلبه ، فان مات او قتل لم يقتل الوطن الذي عاش بداخله ، فلنعيش من اجل حياة الوطن وليعش الشرفاء الاحرار في جنات الخلد ولتبقي نضالاتهم وشرف خلقهم ونبل غايتهم . اللهم الحقه بالصالحين في الفرودس الاعلي … اللهم اعف عنه وتقبله قبولا حسنا ، وبدل سيئاته حسنات ،

  2. رحمة الله عليه وعلى أسرته ورزقهم الله الفردوس الأعلى من الجنة.
    السؤال الآن ما الذي سيحصل مع جهود الفقيد عبدالرحمن لتكوين منظمة تهتم بضحايا الاتجار بالبشر وتدافع عنهم ؟؟
    هل ستجد تلك الجهود من يتبناها ويرفع لواءها أم انتهت بنهاية حياة صاحب الفكرة ؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *