عادات القرية في الخطوبة والزواج (3 و4 -9)

IMG-20141226-WA0026

بوادينا..عادات وتقاليد.. أفراح وأتراح..منها

الصامد ومنها المقاوم ومنها ما إندثر

الحسين علي كرار

عادات القرية في الخطوبة والزواج  (3 و4 -9)

يقول الرسول صلي الله عليه وسلم (تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة) يقرأ هذا الحديث في مجلس العقد في بداية جلسة عقد النكاح.

وفي العرف والتقاليد في القرية الأبناء لا يحملون همّ الزواج ، فهذا الهمّ على عاتق الوالدين فيرجع إختيار زوجة الإبن وإختيار زوج البنت للوالدين ، وقد تكون للإبن في الإختيارعلاقة غير ظاهرة ، ولكن البنت تجبر ولا تختار الزوج ،  ومن الممكن هذا العرف مرجعه الى المذاهب الفقهية فالمذهب المالكي يقول بإجبار الأب لإبنته البكر في الزواج ، والأب ملزم في تقاليد القرية كذلك بتزويج إبنه ، (لماذا لا تزوج إبنك) ، سؤال يوجه إليه عند التأخير، ويكون الزواج عادة في سن مبكرة ، يبدأ من الثانية عشر للجنسين ، ولذا تكون نسبة الوفيات بين الزوجات الحديثات (البكور) كبيرة ، لعامل السن وعامل الختان وعامل الغذاء (فقر الدم) في حالات كثيرة ، وعندما يتم الإستقرار في إختيارالعروس ، يقدم مبلغ من المال محدد متعارف عليه في الخطوبة  يسمي  (دكران)  ، وتتم المباركة بحضورالأقارب وعقلاء ومشايخ القرية ، وشربات الخطوبة للمباركين هي البليلة بالسمن والسمسم والسكر والحليب ، ومن هذا المبلغ يشتري أهل العروس الذهب لإبنتهم بعد ذلك ، وتعتبرهذه الفترة فترة إعداد بيت العروس و (الدلالت) وهي خيمة البرش، وهي علي حجم أصغير بالنسبة للمستقرين و أكبر بالنسبة للرحل فهي عندهم الأساس لبيت المستقبل ، وللدلالت إعتباركبيرفي القرية للبكر، و يقتضي عملها زمن ، ومن يقمن بها هن الأمهات ، (فعلو) حياكة البروش (والشيربوت) النسيج يكون من الفتيات المتزوجات حديثا ، (مرعي) وهي مناسبة سعيدة لهن ، ومن العادات الطريفة أنهن يتصيدن فيها الشباب المارّين خلف مكان تجمعهن أو أمامه ، فيرمين عليه من داخل المنزل حجل يد (تكت) ، فيأخذها ويذهب ثم يعود ومعه ذبيحة تكون شاة أو خروف  وهي رد شرف للطرفين .

ومستلزمات (الدلالت) ونأخذ  هنا دلالت الرحل وهي تتكون من 5 بروش من النوج الجيد  لأنها بيت المستقبل لأنه لا يوجد بديل غيرها مثلا (كالقطية )، و3 جداران خشب مقوسين اثنان للأطراف وواحد أعلي في الوسط  يسمي (مسرط) بالإضافة إلي عدت شعب ، فالشعبة طويلة والقراع قصيرة لتثبيت الجدران .

 ومن العادات يحضر أهل العريس يوم العرس  (شنكيباي) وهومعمول من السعف ويعلق فيه الودع ولفافات من الكمون الأسود وبعر المواشي وغيره ،ومعه عند البعض عدد (7) عقال إبل  أوعدد (7) قيد بقرالمعروف ب (محلكا) الذي تقيد به البقرة عند الحلب ، و دلوكة صغيرة كذلك عند البعض  يكسرها العريس ليلة الدخلة برجله اليمني  ، وهذه الأشياء تعلق في الجهة اليمني من الدلالت ، ويكون الشنكيباي في الوسط الأمامي بارز فوق الدلالت  ، وهذه الأشياء كلها للتيمن والتبرك ، وعند تشييد الدلالت  يبدأن النساء بوضع رسومات معينة مربعات وغيرها بجير أحمراللون يعرف ب (حقرت) علي البروش ، و هذه الرسومات موروثات تأريخية قد يكون مصدرها فرعوني ، وبعد تثبيت أخشاب الجدران يبدأن بوضع بروش الوسط التي يعلق الشنكيباي في أوسطها ولا يبدأن بالخلف الأقرب لهن تفائلا ، وعدد بروش الدلالت (5) ، ناقص برشين فالعدد في البيت العادي (7) بروش ، ويتمّون الباقي عند الدخلة للذين يؤخرونها  ،وعند قدوم أهل العريس للعقد ومعهم الشيخ  يكون قدومهم بالمدح مثل _ صلوا علي صلوا علي بحر الصفا المصطفى ، وكذلك المدح يكون عند قدوم موكب العريس – صلاة ،صلاة على المصطفى – الله، الله وهي مدائح المنسبات ، والصداق يكون غالبا على المواشي وهو نصيبها خالصا حسب الشرع ، ويكون العدد حسب العرف وحسب نوع الماشية وقد يكون مبلغ من المال حسب عرف القرية ،  وبعد العقد يكون الختام كذلك بالمدح وبقصيدة  بحقك يا طه نرجي المقاصدا ، وبعد العقد يكون قدوم العريس للعشل في الدلالت عند البعض  مشيا على الأقدام أو ركبانا على الجمال ، ولا يركب العريس إلا جملا كبيرا في السن هادئ لأن العيون مركزة عليه ، وعند البعض كذلك يطوف العريس مع أصحابه بالجمال الدلالت (7) مرات ، وبعد السابعة ، ينخّوا جمل العريس أمام الباب  ويرفعه أحد هم إلى سرير العشل داخل الدلالت ، و يكون العشل عند البعض الذين لا يتبعون هذه التقاليد في بيت أهله ، والعشل هوعبارة عن ماء فيه بعرالمواشي وحبة البركة وبعض أوراق الشجر ، ويجلس العريس فوق السرير على قدمية ، ومن يقوم بعمل العشل يشترط فيه أن يكون والديه على الحياة  ، فيصب العشل على قدم العريس بعد أن يصب قليل منه على وجهه كذلك ، ولمن يغطون رأس العريس وهي من العادات القديمة – التي أستبدلت الآن بربط الرأس بقطعة قماش عند البعض – يسحب ثوب العريس من جهة الخلف إلى مقدمة الرأس وترط حبة البركة في وسط طرف الثوب فتكون بشكل الكورة وتسحب إلى الوجه وتعطف عند الجبهة ويغطي باقي الرأس بالثوب المسحوب من الخلف  وللتثبيت يعلق فوق الثوب على الرقبة عدد من مصابح الخرز ومنها السوميت المشهورة  بلونها الأبيض والأسود ، وتكون هذه المصابح إما لوالدته أو لحبوباته أوعماته وليس خارج الأسرة ، و توضع في يده التكة و خيط حبة البركة ويحمل السيف والسيف هنا يحمل من اجل الحفظ والقوة والحماية من عالم الغيب فهو حديد ، – إن تغطية رأس العريس كانت عادة فرعونية كما قرأت في إحدى المجلات المصرية ، حماية من القوي الشريرة – وغطاء الرأس يستمر لمد سبعة ايام ولا يكشف إلا في اليوم السابع ولهذا يسمونه (قللعيت) ، والطعام في هذه الأيام طبعا على العريس ومساعدات فريق الربعة ،ولكن اليوم السابع هو يوم الوزير الذي يلبس الملابس مثل العريس ويرافقه في دخوله وخروجه ، حيث لا يسمح له الخروج في هذه الأيام إلا برفقة أحد هم خشية الأرواح الشريرة وهي كذلك عادة قديمة من العادات الفرعونية ، وكذلك اليوم السابع هو يوم (الربعت) ، لأن في هذا اليوم الأخير يكثرالناس وخاصة هو اليوم المميز في الأكل  ، والربعت هي جمعيات حسب الأجيال – وأسماءها تدل على الفروسية _ مثل كبدت حيّت  –ومثل ريّيم كلاله – وفي ليلة اليوم السابع تذبح الربعة ذبائح من الضان والغنم ، وتغنى الفتيات ويسمونهن (مهديت) هذه الليلة أعضاء الربعة واحدا بعد الأخر ، يبدأن أولا بأغنية الربعة (مثل رييم كلالا – سكو مناّ طلالا) معناها (أصحاب الكلال الطويل يهرب الأعداء من ظلالهم) ثم أغنية الشوم ثم أغنية نائبه ثم أغنية الوكيل وبعد ذلك بقية الأعضاء ، والشوم يتحمل المسئولية المادية أكثر من غيره ثم يأتي بعده في التحمل نائبه ثم الوكيل ، ثم البقية لهذا في الذبائح تكون لهم أنصبة كالصدر مثلا ترسل لأسرهم ، وهذا اليوم  يكون الأكل فيه العصيد الفطير والسمن فقط ، والعصيدة تكون بحجم كبيرفي قدح مخصص لمثل هذه المناسبات ولا يستطيع أن يحملها شخص فتوضع في شبكة ويحملها شخصان وبرفقتها كثير من قزاز السمن،  تشبع مجموعة وتخلفهم فيها أخرى ، وعندما يتم الأكل ، يأتي  دور الشباب ، فيخلعوا الثوب من رأس العريس ويقومون بدهن شعورهم بالودق المعطر – بعطر بنت السودان – والسيد علي المرغني – والريف دور – ثم يصبون فوقه الدريرة وهي الصندل المطحون ، فهذا اليوم الأخير هو يوم الدريرة ، فالدريرة ليست في بداية العرس ولكن في نهايته قبل الإنصراف ، ولا إستعجال قبل اتمام الأيام السبعة ، والبنات المهديت ،  وظيفتهن لمدة  الأيام السبعة الغناء ، في الصباح عند الشروق يصبحن على العريس بأغنية بالبداويت مطلعها (أوكريوا مني إدوبا شبوبا – اللاي دأراي دوبا – إدوبا شبوبا) معناها (في هذا الصباح نتمنى لك أيها العريس السعاة – عش سعيدا بهذا الزواج المبارك من الله) وفي المساء يمسين عليه بأغنية أخرى (إن شاء الله مسيتينا  وهيلليت رباتينا  إدوبا شبوب هودا) معناها (إن شاءالله تبرد بطونكم  بإنجاب الذكور مثل الشخص هيلليت ، يا عريس مساءك بالخير).

وأغنية السيرة وهي الزفة (أنا دلي شيبا دوبي) (الزواج مبروك) ورغم هذا الثراء في عرف الأغاني في المناسبات لا تجد فنان واحد تناولها في ساحة الغناء ، ومن الطرائف في العادات أن الشيلة يقدمها صباح العرس رجل ويحملها في جمل وعددها غالبا سبعة قطعة ، ويرميها حسب فضوله على النساء ، إما قطعة قطعة أو دفعة واحدة ، وهو يعلم هناك معركة عنيفة مع الفتيات نظيرات العروس في إنتظاره ، فهن يجهزن من الليل بعرالبقر بعد أن يعجنّه ويخمرنه  ويقمن برميه عليه ، لتوسيخ ثيابه ، وهو يكون حريص ألاّ يصاب وتصاب ثيابه به ، وكذلك يقمن برميي هذا البعر المعجون على الشباب مرافقين العريس عند قدومه للعشل ،  ويعيرنه بأغاني ، مثل ( حاج  كدن فقر _ أبيكو – إميي تتليني ) حاج إسم إخترناه للعريس أخرج للخلاء ، فيرد ، بـ لا أستطيع خائف ، فالتصاحبني أمي ) للتدليل  بأنه جبان ، وبعد انتهاء زفت العريس في الدلالت تبدأ زفت العروس ، وهي لا تلبس الملابس برضاها قطعة قطعة ، ولكن تبدأ معركة إلباسها مع النساء بالقوة ، فهي تقاوم مقاومة شديدة لذا يخترن لها النساء الشديدات القويات وخاصة إذا كانت من الحجم الثقيل ،  فيتم إلباسها بالقوة ومن تقوم بذلك منهنّ ، من كان والديها على الحياة ، وبعد ذلك تحملها إحداهن على ظهرها إلى الدلالت ، ويقمن البنات بوضع دريش العجين في فم  من تحملها ، ويبدأ عشلها في الدلالت ، وفي الليل يقرأون أمام الدلالت المولد النبوي الشريف وبعد ذلك يبدأون المديح بدون طبول ، والطبول والجباجيب يكون بالطلب وبالتأكيد بالمقابل . والعروس خلال  الأيام الأولى يكون وجهها مغطى لا تكشفه إلا لصحباتها حتى يصبح وجهها وجسمها بياض ناصع ليس بالأعشاب والدلك ولكن بالغطاء والحرارة والعرق ويسمى (بهليت ) وفي هذه الأيام  يتكفلن صحباتها الأكل كل واحدة تأتي بطعامها وبعد اليوم السابع يتوزعن ، إلى هنا فالعادات متقاربة ، ولكن الإختلاف في الدخلة وتأخيرها لمدة سنه عند البني عامر وبقية العادات في الحلقة القادمة .

= = = = = = = = = = = = = = = = =

عادات القرية في الخطوبة والزواج  (4-9)

تتأخر الدخلة عند البني عامر سنة كاملة بعد الزواج ،والأسباب عديدة يمكن أن نقول في إجمالها أنها : وراثية وإجتماعية ومالية وزمنية .

العامل الأول:- يقول أبو محمد الأخ سليمان ادم سليمان يرجع التأخير لعامل وراثي ، والأخ أبو محمد كان يعمل قبل الثورة في قروية تسني وهي محكمة كانت تحكم بالعرف ، يقول( إن هذه عادة قديمة موروثة من القبائل العربية التي إنخرطت في المجتمع وكانت تقوم بها لإثبات الطهارة ) ومن ثم تم توارثها وأصبحت عرفا في المجتمع .

ثانيا :- من الناحية الإجتماعية ، فإن والدة العروس لا تقوم في فترة الخطوبة عند البني عامر بأي تجهيز ماعدا بيت الدلالت ، لأن القيام بغير ذلك قبل العقد حسب العرف يعتبر من الإستعجال ، ( شافقت عالت ) فالزواج من الممكن لايتم وتفسخ الخطوبة  فتعاب عليه ، فلا تقوم بعمل السرير ( العرقي)  بفتح القاف وسكون الياء وهو غرفة نوم العروس إلا بعد العقد ، ،و العروس لا تقبل حسب العرف كذلك  الدخول إلاعلي سرير (العرقي) ، والبيت الجاهز يعني (1)العرقي وهو مكون من ثلاثة قطع (الكسيد) و(ودسرير) (وسفدي) ، وكذلك (2) أكرّت وقلو والليتامات وهذه الأشياء تستخدم لدي جميع المكونات (3) والعطفت وهو الهودج لأن المجتمع كان رحل ، بتوفر هذه الأشياء تكون جاهزة للدخول ، فهي غرفة نومها ، وإن كان عمل العطفت ( الهودج) أصبح غير ضروري بالتدريج لأن بعض القري أخذت في الإستقرار.

 والعمل الثالث مالي :-  فالعرقي لوحده مكلف لأن نسيجه يكون بجلد الغنم ، فالعرقي ود سرير ينسج بوضع صباعين بين الخطين في نسيجه ، وهو لا يخلو منه أي بيت ، وقد تغني به ( أجولاي ) في أغانيه ( عرقيا ود سرير – برود إقل كرير – أنا وإنت سراي – فتتي بدح ورير ) والسفدي ينسج علي صباع واحد بين الخطين وهو سرير العرسان ومكون من الألوان الأسود والأبيض وهو أكبر حجما وأكثر جمالا ، ويكون طرفه من ناحية الزوج في الجهة اليمني  زائد ومرفوع إلي الأعلي ويغطي به (الحاب) وهو مخزن المنزل ، ويكون الهودج العطفت بطرف الزوجة في الجهة اليسري وتغطي بسجاد القلوت ، والسفدي هو أكثر تكلفة و يكون إستخدامه غالبا في السنوات الأولي من الزواج ، وبعد إنجاب الأطفال يطبق وإستعماله في هذه المرحلة يعتبر نوع من التصابي  ، وربما إستعملته البنت الكبري  ، وكذلك عمل  الأكرّت والقلو واللتامات وغيرها من أدوات الزينة تأخذ كميان كبيرة من الحرير والسكسك والودع ،وأيضا العطفت الهودج وهي مكلفة جدا حيث تأخذ كمية كبيرة من ريش النعام الذي يشترونه بالوزن وبالرطل ، والحرير الناعم والخشن وكمية كبيرة جدا من الودع والسكسك ، أضف إلي ذلك صيغة الذهب ، ومن يشتري الذهب هو والدها لأن أهل الزوج يدفعون الدكران في الخطوبة وهو لا يغطي الصيغة ، والصداق من الماشية.

 والذهب عامة في جميع المكونات في القرية ، ما يعلق في الأذنين (8) تلال ولكن العدد  ليس شرط فيقوم الوالد بأقل و فاي الأنف والتلاقديت وفي هامة الرأس حلقت وقريط وجودهذه الأشياء ضروري أما الشريفي في الوجه وجوده ووزنه يخضع للظروف ، وهذه كلها من الذهب ، والبقية كأحجال القدمين واليدين تكون من الفضة وهناك درع ومشهات تعلق في الجهتين الخلفية والأمامية من الشعر وهي كذلك من الفضة ،  وهنا نجد العادات عند البني عامر في تجهيز البنت أقرب لعادات الهنود الوافدة قديما كالسروال والصديري والفوطة ، فالتكلفة المالية كبيرة علي الأب أكثر من زواج الإبن.

 والعامل الرابع :- هو الزمني لأن هذه التكلفة الباهظة تحتاج إلي فترة زمنية للتجهيز  و إلي إمكانات مادية في ظل الدخول الصغيرة والإعتماد علي المواشي لتغطية الحاجات .

وفي بداية الستينات وقبل الثورة ، حاول البعض كسر العرف ممن تأثروا بالمدنية أو السلفية ، ولكن كانت النهاية مؤلمة  لأن إجبار البنت علي عرف مخالف لمثيلاتها ، كان بمثابة إهانه للفتاة وجرح لشعورها وكرامتها ، فكان الخيارصعبا  إما أن تموت البنت علي يد والدها بالرفض القاطع للدخول ، وإما الإنتحار , وإما الطلاق، فكان خيار الطلاق هو الأرجح ،فيما أعلمه من حالات ، هذه الأسباب حسب التقدير هي الأسباب الحقيقية للتأخير .

ولكن كل هذا العمران وتلك البيوت المليئة بهذا الإرث الثقافي الإنساني قضت عليه أثيوبيا بالنار عندما أحرقت كل القري في القاش وبركا عام 1967 وجعلت حتي وجود البروش التي ينومون عليها وقتها عزيزة ، ونتج عن ذلك اللجوء الكبيرحياة الطوارئ وذهاب الحياة الطبيعية بعزها ومجدها ورنين موسيقاها، وإختفت العطفت والعرقي ودسرير والسفدي ، وجاء وقت طلب السترة للأعراض ، ولم يكن هناك من يقول للرحل كالأعشي.

ودع هريرة إن الركب مرتحل  وهل تطيق وداعا أيها الرجل

ولا من يبكي من الفرسان والعرسان علي أطلال الرحل كإمرئ القيس

قفا نبك من ذكر حبيب ومنزل   بقسط اللوي بين الخول فحومل

ولا من يرسل تحياته وسلامه كعنترة

يا دار عبلة بالجواء تكلمي   عمي صباحا يادار عبلة واسلمي

ولاسعاد المغرورة داخل هودجها تعبث يضفائرها وتحدث نفسها عن كحل حواجبها بمرآتها الصغيرة المدورة التي تخرجها من حقيبتها المصنوعة من السعف الملون وهي تتخيل ما قاله عنها كعب بن زهير

وما سعاد غداة البين إذا رحلوا  إلا أغن غضيض الطرف مكحول

أمست سعاد بأرض لا يبلغها  إلا العتاق النجاب المرسيل

ومن ذلك التاريخ أصبحت المراسيل لا تحملها إلا إلى ديار اللجوء والحرمان،ومن ذلك التاريخ أمست سعاد التى أبكت الرجال والعرسان بدلالها ودلعها أصبحت ناصيتها محروسة بالسيف من ولع الرصاص ، ومن ذلك التاريخ تقدم حفظ الأعراض  علي العادات والتقاليد والموروثات التأريخية والتراث الإنساني  فإندثر الكثيرمنها .

ومن التقاليد في القرية ، إذا كان المنزل قطية ، يقوم ببنائه أهل الزوج ، أما إذا كان المنزل خيمة البروش ،  فيقوم بها أهل العروس ، فبروش الدلالت عددها خمسة،  فتقوم والدتها بتكملة العدد سبعة ، و البروش في الدلالت لونها أبيض ، ولكن في الدخول هنا إختلف الأمر فتقوم الأم بتدخين البروش  بطرقة معينة حتي تطلي كل البروش بلون الشمع الأسود الذي يقاوم الحرارة وماء المطر.

وهناك في عرف القرية (المتلو) وهو كما نقول (المساعدة للحياة الجديدة)  فالعروسين لابد أن يمنحا من قبل الأبوين مواشي يقابلان بها حياتهما الجديدة ، فكل طرف يمنح من والده مواشي حسب المستطاع مثلا 5 ماشية من طرف العريس مقابل 5 ماشية من طرف العروس ، وتعتبر هذه المواشي مشتركة ، بخلاف الصداق الذي هو ملك العروس شرعا ، وإذا كان أحد الطرفين ميسّر وله مواشي لا تدخل في الشراكة ، وبما أن القوامة علي الرجل فالبيع لا يكون من طرف الزوجة ولكن من طرف الزوج في المواشي المشتركة ، فإذا باع من طرفه فيكون ما كان من طرفها في الشراكة ملكا لها مقابل ما تم بيعه من طرفه ، والزوجة لا تسمح له البيع من طرفها  مهما كان الأمر خاصة إذا شعرت بفقدان الثقة بالزوج، ومتي كانت الثقة متوفرة فقد تسمح له بالبيع من طرفها وخاصة مع الإنجاب وتقدم العمر حتي الصداق ، وإذا حصل خلاف بين الزوجين وخرجت الزوجة عن منزلها وتم الصلح بينهما فيدفع الزوج غرامة مالية للزوجة تسمي (بردات) مقابل عودتها  كرد شرف لها أيا كان المخطئ منهما فهي الأضعف ، أما تأديب الزوجة بالضرب لا مكان له فإذا حصل يعاب عليه الزوج من مجتمع القرية وقد يستلزم الطلاق ، ومن العادات عندما يولد الطفل ، لا تقطع صرته إلا علي الماشية إذا كان ولد ، فيتنازل له كل طرف عن نصيبه ، فيملك الطفل من يوم ولادته رأس من الماشية وتسمي هذه الهدية (إتب) وبعد الوضع يدخل أحد الأقارب بيت النفساء ويؤذن في أذن المولود ، ويذبح في اليوم التالي للولادة خروف أو شاة يعطي منه للداية (أم مولد) الصدرفهو أجرها كعرف والباقي غذاء وشربة للنفساء ، وفي اليوم السابع تكون السماية (العقيقة) والشيخ هو من يسمي المولود حسب يوم الولادة من أيام الأسبوع وحسب الأسماء الجاهزة في كتاب تسميات الأطفال ، فإذا ولد يوم الجمعة مثلا الولد يسمي أدم والبنت تسمي حواء ، وإذا ولد يوم الإثنين فالولد يسمي محمد والبنت فاطمة  وهكذا بقية الأيام ، ولهذا كل الأسماء محصورة في أسماء الرسل والصحابة ، فتشابهت  والبعض للتبرك جمع بين إسمين مثل محمد صالح ومحمد أبوبكر ، وبعد تحديد إسم المولود يجتمع الأطفال أمام منزل النفساء بعد الزوال  في الساحة أمامه وأصابعهم متشابكة لإعلان إسم المولود وهم يجرون ويرددون ( وووووو صالح نتلههههههي ) .

شاهد أيضاً

تهنئة

بمناسبة عيد الفطر المبارك تتقدم رابطة ابناء المنخفضات الإرترية للشعب الإرتري الأبي بأصدق التهاني القلبية …

الاعلام بين الماضي والحاضر

بقلم محمد نور موسى ظهر الإعلام الإرتري مع ظهور الحركة الوطنية الإرترية في مطلع أربعينات …

من مواضيع مجلة الناقوس-العدد التاسع

سعدية تسفو فدائية من جيل آخر! نقلا من صفحة الاستاذ ابراهيم حاج لترجمته من كتاب …

2 تعليقان

  1. اﻷخوة رابطة المنخفضات ممكن تفيدوني بحدود رابطه المنخفضات فب الموقع الجغرافي في اريتريا ﻷن العادات المذكورة تشمل جميع القبائل الموجودة في ارتريا من الغرب والشرق والشمال واجزاء من مناطق المرتفعات للمعرفه فقط وشكرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *