رفض النظام الإرتري الحوار مع المكونات الإثنية والقبلية المدنية بالمنخفضات الإرترية مبدئي وليس تكتيكي

sumudمن كتاب ” صمود الهويات ودحض المفتريات ”

الفصل الثامن: شواهد من التاريخ الإرتري الحديث (5)

رفض النظام الإرتري الحوار مع المكونات الإثنية والقبلية المدنية بالمنخفضات الإرترية مبدئي وليس تكتيكي

يرفض النظام الإرتري أي مظهر من مظاهر الحوارالوطني حتى مع المكونات الإثنية في الداخل بجانب رفضه المعارضة الخارجية  لأن صقور النظام يعلمون إن محور الحوار سيكون الحقوق الثقافية المتمثلة برد اعتبار اللغة العربية وهو المطلب الأول من مطالب المكونات المسلمة بمن فيهم المسلمين الناطقين بالتجرنية من سكان الهضبة الإرترية، والمطالب الأخرى الكثيرة تأتي بعدها. هذا الرفض الدائم من لزوم المشروع الهادف لاستبدال الهوية العربية بأخرى تجرنية ولو بالقوة والخديعة واعتبار اللهجات المنطوقة لغاة لمجموعات إثنية ضعيفة. هذا الرفض المستمر للحوار أثر على مجمل الإوضاع الإرترية بما في ذلك التعليم والنمو الاقتصادي والعلاقات الخارجية للدولة كما أثر على الحالة الأمنية والاقتصادية للسكان حتى الآن وترك مصير المشروع الوطني الإرتري في خطر.

صقور النظام الإرتري درجو على إتهام الناس بالقبليين والمناطقيين والعنصريين وهم يمارسونها بكل قسوة. الفصول السابقة فسرت بعضا من الأوضاع السياسية والثقافية والاجتماعية التي أحاطت بالشعب الإرتري منذ الحرب العالمية الثانية. هناك مشاكل عديدة ولكن في نظري المشكل الراجح في إرتريا هو رفض إحدى لغات السكان الثقافية من قبل بعض المتنفذين إما بالإصالة عن أنفسهم أو بالإنابة عن غيرهم. كل المشاكل الأخرى دون رفض الهوية الثقافية مقدرور عليها. من المؤسف أن تكون اللغاة هي السبب في تمزيق الأوطان.

الهوية الثقافية المرتبطة باللغة والدين هي اكثر الهويات مثيرة للجدل في ارتريا وذلك جراء التكوين الإثني.   للشعب الإرتري. هويات شعب إرتريا المتفرد جعلت منه شعب متجانس الهويات للمقيمين بالمنخفضات الإرترية .

إن  تواصل الشعب الإرتري من خلال لغات متعددة وتفاعل هوياته الثقافية وتجانسها إيجابياً خلال العهد الكولونيالي مرورًا بفترة تقرير المصير وانتهاءاً بالنضال التحرري الجسور الذي اشترك فيه أغلب الشعب من منطلق وطني وليس عرقي او إثني أو قبلي هو الذي أوصله إلى هويته الوطنية. هذه الهوية الوطنية التي كلفت الكثير تكاد تضيع أو يضيع معالمها لأن بعض النخب المسيطرة من الهضبة الإرترية  لم تقبل بعد كافة الثوابت الوطنية التي ناضل من أجلها لشعب الإرتري،  وقررت تلك النخب من تلقاء ذاتها أو محرضة أن تغير الخريطة الديمغرافية والثقافية بقوة الحديد والنار.

أهم أسباب المشكلة ليس في عدم استطاعت استخدام اللغتين الوطنيتين وهما اللغة العربية بالنسبة لكل المجموعات المسلمة التي تتحدث اللغات النيلية والحامية والسامية، واللغة التجرنية بالنسبة لسكان الهضبة الإرترية بل برفض المجموعة الحاكمة الثنائية اللغوية في إرتريا وهو موقف مخالف لموقف أجدادهم وآباؤهم بالأربعينيات من القرن الماضي . إن تواصل المجموعات السكانية المسلمة مع من يليهم من المجموعات الاثنية الاخرى بالعربية أدى إلى بروز معالم هوية وطنية خلال القرن الماضي .

رأينا النجاح وما ترتب عن التفاعل الإيجابي أثناء النضال المشترك تم أنجاز المشروع الوطني عندما كان التفاعل الإيجابي والتعايش سيد الموقف ورأينا ما ترتب عن الإقصاء عندما أضحى الاقصاء سيد الموقف بإرتريا.

عندما أصبح  التفاعل والتعايش السلمي سيد الموقف لدى الشعب الارتري نالت إرتريا استقلالها بجدارة وعند ما صار الاستعلاء والغطرسة والإقصاء هو المهيمن فقدت إرتريا بريق الاستقلال والفرحة التي أوجدها الاستقلال ودخلت البلاد في نفق مجهول وبدأت المأساة من جديد قتلا أو تغييبا في السجون مجهولة أو استعبادا في أعمال سخرة أو تجنيدا إلى أجل غير مسمى أو طردًا من البلاد للموت غرقاً أوعطشاً مع ما يصاحب كل ذلك من آلام ومعاناة وإحساس بالمرارة.

الشعب الإرتري المسلم واللغة العربية

الشعب الإرتري المسلم عربيًّ الهوية بحكم الجذور والأصول والتواصل وإن أنكر البعض أصوله جهلا أو بطرا. وشطرًا كبيرًا  من الشعب الإرتري عربي الهوىَ والهوية بحكم الثقافة والعقيدة واللغة والتاريخ والتمازج البشري وإن اختلفت اللهجات العربية بحكم الزمن. وحتى القبائل الإفريقية التي لم يمتزج في عروقها الدم العربي بالكامل تهوى اللغة العربية، قبائل النارا والكوناما بغرب إرتريا نموذجاً.

نجد حضور اللغة العربية يتجلى بشكل أوضح عند المسلمين في الرموز الدينية كأشعار المديح والشعر الأدبي والخطب وفي الاحتفالات الدينية وفي التعليم الديني والمدني والأعمال المكتوبة كالإدارة والتجارة والقضاء وفي تواصل الاثنيات الشفهي مع بعضهم ومع غيرهم من الأجانب.

يحب مسلمي إرتريا اللغة العربية بالفطرة ولذلك كانت دائماً محور نضالاتهم والعامل المشترك لهويتهم الوطنية دون التخلي عن هوياتهم الاثنية المحلية.

حالات مزمنة

للأسف الشديد هناك حالة مزمنة أبت أن تبارح أذهان بعض المتشددين ضد اللغة العربية من سكان الهضبة الإرترية وهي ليست ظاهرة عابرة بل أظنها طبيعة ثقافية متوارثة وراسخة وممتدة لأكثر من 500 عاما أي منذ وطئ الرجل الأوروبي تلك المناطق.

عندما يتعلق الحديث باللغة العربية ومسلمي إرتريا تنطلق جملة مشهورة من السن بعض زعماء التجرنيا وهي: ” أب قزاخوم عرب تزاربو” وتعني “هل تتحدثون في بيوتكم اللغة العربية”؟ وهي جملة تلخص حالة الرفض الأزلي رغم علم المتشددين من أهل الهضبة الإرترية مكانة اللغة العربية لدى المسلمين الإرتريين ورغبتهم الدؤوبة لتوطينها ديارهم.

“أب قزاخوم عرب تزاربو”  قالها اسحق تولد مدهن في الأربعينيات من القرن الماضي عندما كان مديرا للمدارس خلال فترة الانتداب البريطاني وقالها ولد آب ولد ماريام في الخمسينات أمام الباشا صالح كيكيا كما أوردها كاتب سوداني في مقال لع على الويب وذلك عندما كانو يتحاورون بحضورعددًا من الأصدقاء وقالها القس دميطروس في جلسات البرلمان في الخمسينات وقالها العديد من الكتاب والبرلمانيين المتطرفين في الخمسينيات وقالها حرفيا أسياس أفورقي مخاطبا جمعا من الإرتريين ( ربما مسيحيين أغلبهم) الكلام ( مسجل في الليوتيوب ) نال بسببها تصفيقا حارا من الحضور والجدل ما زال قائماً حتى اللحظة بشأن اللغة العربية التي يعتبرها المسلمون جزءا أصيلا من هويتهم الثقافية ويعتبرها بعض المسيحيين المتطرفين لغة أجنبية أدخلها الاستعمار إلى إرتريا.

حتى الآن يرفض أغلبية المسلمين الإرتريين كل مظاهر التحول اللغوي المعتمد لدى النظام الإرتري لأن تلك البرامج من شأنها استبعاد اللغة العربية وحروفها تدريجياً من الساحة الإرترية واحلال حروف المسند (الأباجيدا أو الجئز ) والحرف الاتيني لكتابة اللغات واللهجات الإرترية الأخرى.

“أب قزاخوم عرب تزاربو” :  الرد الأزلي هو “نعم أب قزانا عرب نزارب” وهذه حقيقة لأن اللهجة الإرترية ” التجرايت” التي يعرفها ويفهمها أغلب المسلمين الإرتريين هي أقدم لهجة عربية في منطقة شمال شرق إفريقيا وتحتوي على 50 في المائة من المفردات العربية الحية المستخدمة في عصرنا هذا وتستخدم فيها  نسبة كبيرة من المفردات العربية القديمة التي لم تستخدم بعد في الحديث اليومي باللهجات العربية المعاصرة(1) .

المعلومات المكررة في هذا الكتاب

إن المعلومة حتى وإن تكررت فالقراءة عند القراء دائما يختلف فهمها من شخص لآخر. ما يقرأه زيد عن بعض الأحداث قد  يفهمه عبيد بطريقة مغايرة. هذا الفصل مخصص للأجيال الإرترية التي نشأت وتربت في المهجر بالدرجة الأولى. هؤلاء الشباب يحتاجون منا كل المعلومات التاريخية والآنية التي نعرفها عن وطنهم المفقود وكل معلومة بالنسبة لهم جديدة وإن تكررت في مواطن أخرى لذا تكرار المعلومة لا يقدح في جودة أو مصداقية الكتابة والقارئ الإرتري وخاصة الشباب  بحاجة إلى من يذكرهم باستمرار عن مصير وطنهم حتى لا تنسى القضية ويتواصل النضال وينقل إلى الأبناء لذا هذا الكتاب بكامله محاولة متواضعة لنقل المعلومات والأحداث التي حدثت خلال السبعين عاما الماضية بطريقة سهلة مباشرة وبقراءة بسيطة ليس فيها نظريات فلسفية عميقة، وهو موجه إلى السواد الأعظم من الشعب الإرتري البسيط وليس إلى النخبة والمثقفين وخريجي الجامعات فقط. وقد لا يجد بعض القراء ما يجيب على أسئلتهم الدائمة العميقة في هذا الكتاب من نوع ” لماذا وصلنا إلى هذا المصير”. هذا سؤال كبيروكل واحد قد يجيب عليه بطريقة مختلفة ولديه فكرة مختلفة عن السبب، اذن الحقيقة دائما نسبية ولا يمكن أن يجزم عاقلا بأنه على الصواب المطلق كل الوقت. إذا لم نذكر أطفالنا عن قضيتنا بصفة مستمرة فمصيرنا سيكون شبيه بمصير الشعوب التي نكبتها الجغرافيا والتاريخ وسياسة المصالح الاستعمارية مثلنا وذابت في مجتمعات أخرى بعد جيل أو جيلين من انتقالها إلى أماكن آمنة.

  • لدراسة لهجة التجري ومفرداتها العربية العريقة برجاء الإطلاع على معجم لسان العرب لأبن منظور.

شاهد أيضاً

مهرجان الرابطة بمدينة كولن في المانيا

المهرجانات الثقافية حالة تفاعل بين القيم والموروثات .. ودعوة لقراءة تاريخ الاجداد

ابو بكر صائغ قال لي أحد الاصدقاء في جلسة ودية تفاكرية إنني أؤمن بطرح رابطة …

ملبورن: إذ تحدث عن إرث متأصل

عبدالرحمن كوشي رابطة أبناء المنخفضات الارترية الفتية، بعد أن فجرت الطاقات الفنية الكامنة، من قلب …

احتفال الرابطة في ملبورن

علي جبيب شهدت مدينة ملبورن الاسترالية منذ يومين احتفال ابناء رابطة المنخفضات الارترية بمناسبة الذكرى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *