ذكرى الاستقلال .. وذاكرة الحنين المثقلة بالجراح

إن هزيمة  قوات الاحتلال الإثيوبي وخروجها مندحرة من إرتريا في الرابع والعشرون  من مايو1991م هو نتيجة  تراكمية لنضالات سياسية وعسكرية لكافة مكونات الشعب الإرتري الذي بدأ بخيار الوطن المستقل الذي رفع لوائه جيل الأجداد والآباء في اربعينيات القرن الماضي والذي اجهض باعتماد الاتحاد الفيدرالي ثم الانضمام الكامل من قبل الامبراطورالاثيوبي هيلاسلاسي والقوى الداخلية التي تماهت معه على حساب المصالح المشتركة لجميع مكونات الشعب الارتري، مما ادى الى بدء  النضال السياسي  بقيادة حركة التحرير الارترية ثم تجربة الكفاح المسلح بقيادة جبهة التحرير الارترية الذي اطلق البطل الشهيد حامد ادريس عواتي ورفاق دربه شرارته الاولى في  1 سبتمبر عام 1961م من جبل أدال في المنخفضات الإرترية.

لذلك فان الرابع والعشرون من مايو يعتبر محطه مهمة في مسيرة النضال الارتري، لأنه كان أحد الاهداف الرئيسية لحركتنا النضالية،  إلا أن ممارسات النظام بعد وصوله للسلطة لم تكن سوى مواصلة مشروع الهيمنة القومية التي كانت السبب الرئيسي في كل ما حاق بالشعب الإرتري من  ويلات  منذ فترة تقرير المصير والحقب التي تلتها.  

وبالرغم مما حفلت به مسيرة حركة التحرر الوطني من تضحيات جسيمة دفعت كلفة فاتورتها الباهظة من دماء وآلام وآمال مكونات التعدد الارتري على أمل تحقيق اشواقها في بناء وطن الحرية والعدالة والمساواة الذي يساوي رهق السنين ومراراته المهدرة، إلا أن النتيجة بعد الاستقلال كانت تهميش مكونات التعدد من قبل النظام الذي  تقوم فلسفته الاساسية على نهج الهيمنة القومية الاقصائي، واتسمت تلك الفترة بزيادة عدم الثقة بين مكونات المعارضة الامر الذي ساهم  في اطالة امد النظام ، من خلال عدم  اقرارها بحق كل مكون في التعبير عن ذاته بالطريقة التي يراها، والاقرار بحقوقه ومصالحه في تقاسم عادل للثروة والسلطة، كمقدمات حقيقية  لهزيمة عقلية الهيمنة  وبناء دولة المواطنة التي تعبر عن آمالنا وأحلامنا  في العيش المشترك في وطن الوعد والاشواق الذي حلم به الاجداء والآباء المؤسسين.

وكما قال الشاعر محمود درويش :

” الحنين ندبة في القلب ، وبصمة على جسد

لكن لا أحد يحن إلى جرحه .. لا أحد يحن إلى وجع  أو كابوس، بل يحن إلى ماقبله، إلى زمان لا ألم فيه سوى ألم الملذات “

إلا أن ذاكرة البعض منا مازالت تحن إلى جراحات السنين التي ادمتها مرارات التهميش، بدل التطلع إلى مستقبل واعد تسود فيه حقوق المواطنة التي تحترم حقوق انسانها وتصون عزته وكرامته.

لذلك نرى بأن الاحتفال الحقيقي بذكرى الاستقلال يستدعي منا إعادة الامور الى نصابها لاسترداد التاريخ المسلوب  من نضالات  مكونات الشعب الإرتري بالجلوس معاُ على مائدة للحوار يتم فيها الاقرار والإعتراف بتعدد وتنوع مكوناتها وحقوقها، والتوافق على عقد اجتماعي يتضمن الأسس والمبادئ التي ترتكز إليها دولة المستقبل  دون هيمنة واقصاء من أي كان من مكوناتها على  الآخرين، تكون بنوده  الاساس لدستور دولة القانون  الذي يرى فيه الجميع  صورته.

 

شاهد أيضاً

إرتريا: منعطف خطير آخر

“رؤيتنا حول تطورات الأحداث الداخلية والخارجية وانعكاساتها المتوقعة على الشعب والوطن”. إن سياسة الهيمنة والإقصاء …

الذكرى 56 لمعركة تقوربا الخالدة

كثيرة هي الملاحم التي سطرها جيش التحرير الارتري في مواجهة قوى البغي والطغيان ممثلة في …

قضايا الوطن.. وسياسة التعاطي بالتجزئة

يبدو جليا بأن سياسة التعاطي مع قضايا الوطن منذ بدايات التشكل الأولى للكيان الارتري لتحقيق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *