جنيف 2 عصية على القياس

جنيف

لا زلت أتذكر ( فريد ) وهو عامل بسيط في الجالية الارترية بدمشق وقد استقدم والدته من ارتريا بغية العلاج والنقاهة وفي طريقهم من مطار دمشق الدولي الى حيث يقطن في مساكن برزة كانت الام في محاولة لاستيعاب المكان وملامحه كثيرة الاطلاع على الشوارع والبنايات الشاهقة التي اصطفت على جانبي الطريق وبين البرهة والأخرى تردد تساؤول واحد ( كوريا صنعت لهم ذلك ؟ ) في مقاربة لما عهدته هنالك في اسمرا وبنايات سمبل في ذلك الوقت !! وهي بذلك تعتقد جازمة بأنها تملك التيرمومتر لقياس كل ما هو جديد ويبعث الدهشة والعجب في النفس .. صناعة كورية
هي نفس المعادلة التي حملت اسياس ليكون هنالك محبوس في صدمته التي اعترته آن زيارته للصين في بدايات مراحل التحاقه بصفوف المناضلين وترافقت هذه الزيارة وزخم الثورة الثقافية التي اطلقها الزعيم الصيني ماو وكان نتاجها حرق الكتب وتدمير المكتبات والدور الثقافية في محاولة لفرض ثقافة الراي الواحد وتعميم سلطة الرجل الواحد .. وبالطبع كانت نتيجة هذه المرحلة موت المئات من الالاف من الصينين والفوضة العارمة التي خلقها الحرس الاحمر المغرر بهم وهدر الحريات .. وحين واتت اسياس الفرصة ليكون ماو هذه البلاد لم تسقط الذاكرة لديه التيرمومتر الذي يستهدي به في حكم البلاد فاستدعى التجربة الماووية كنموذج صالح يوافق هواه المريض فكان نتاج ذلك ابعد من حرق الكتب واقصاء الرأي الاخر والثقافة الاخرى الى تغييب منابع هذا الرأي من جذوره باعتقال واخفاء المعلمين والقادرين على خلق التغيير وتهجين انسان ارتري لا يرى أبعد مما يرى اسياس نفسه ومطاردة كل افق يمكن ان تلوح منه بقعة ضوء واستحضار شعارات محاربة البرجوازية وسارقي الثورة كعقيدة محفزة لتجييش مجندي الجيش وافراد المليشيات الشعبية التي تماثل تماما لجان الحرس الاحمر الصيني والذين تم تجييشهم من الطلبة والشباب لضرب مراكز القوة والنفوذ من رفاق التجربة بغية ازاحتهم !!
وهو نفس التيرمومتر اليوم الذي يوجه اسياس ونحن عشية جنيف 2 ليظل هو خارج نسق الزمن والحدث ويبني تفسيراته وتوقعاته على ما تعود من معارضة تملك قناعة راسخة ان نشر غسيل البيت في الفضاء الطلق هو كبيرة من الكبائر وعيب لا يليق وقواعد اللعبة السياسية والحكم هنا للسلوك السياسي لهذه المعارضات واداءها في المحافل الدولية هذا الى جانب منظومة دولية فاسدة لا يقل حالها عن حال الاوضاع في ارتريا وانتهاكها الصريح لحقوق الانسان وعبر عن ذلك تماما السيد / مصطفى اسماعيل مندوب السودان لدي مجلس حقوق الانسان بمعارضته الجلية للقرار ..غير انه غاب على هذا القياس المجافي وسنن التغيير وارادة الحياة في نفوس ابناء هذا الوطن أن ثمة حدث كبير قد تشكل يفوق كل التصورات والتوقعات لهذا النظام أنه مع كل صوت تم كتمه في الداخل كان ذلك وعد بصرخة في شوارع العالم الحر حيث غاية النبل الانصات لأنين المظلومين حتى ولو بعد حين .. غاب على القياس المعاق انه حان الوقت لجيل لا يستئذن للتعبير عن مظلمته ولا تغلبه الحيلة في طرح المساحة الكافية لها في المحافل والمنابر .. جيل لا يعترف بفقه العار والخصوصية التي الحقت الضرر بحقه في الحياة ولديه الاستعداد على تجاوز كل بقاع الاصنام دون ان يعيرها الاهتمام ..
تيرمومتر جيل جنيف يحمل مقومات القياس الحقيقي القادر فعلا ان ينتج من جنيف 2 بداية غير متوقعة لنهاية النظام فذاكرته متقدة بالوقائع المرة من أسمرا مرور بكل البقاع التي حملته اثقال من الالم والفقد .. تيرمومتر يتذكر تلك العيون اليائسة وهي تصارع الغرق في تخوم اوربا وشواطئ ليبيا او حين تقوم فزعة في جوف الليل على صوت طارق او مرور ظل لا تتبين صورته .. تيرمومتر تجاوز اغتراب الفاقة والعوز وهناءة العيش الرغد هنالك في اوربا كما حاول ان يسوق النظام ( الهجرة الاقتصادية ) فبرهن انه صاحب قضايا عادلة لا يساوم فيها ولا يصالح عليها بأي قدر من الاثمان .
تيرمومتر النظام غير صالح لقياس حجم التداعي لجنيف 2 لذلك تأتي خطواته مرتبكة وبليدة حد الاقرار بالذنب وتذكرني حالة مسؤول الخارجية الذي صرح بان المعتقلين موجودون احياء يرزقون بحالة القاتل او المجرم في الافلام الاجنبية حين تضيق عليه دائرة الاتهام يلجأ الى طلب صفقة تدرأ عنه العقوبة بأن يتصالح باعادة بعض المنهوب أو الافصاح عن أماكن ضحاياه وعدد المقتول منه .. افتكر ان النظام مشاهد أكشن بليد احتفظ بذاكرته أحط جزء لا يتمنى احقر المجرمين ان يوضع فيه .
التحية لكل ذلك الجهد المجيد الذي وضع جنيف 2 حيث يجب ان تكون .. التحية لكل الاخوة الذين ما بخلوا بوقتهم ومالهم ومشاركاتهم المهمة جدا وفي الوقت والظرف العصيب .. المجد والخلود لأمة رفض الضيم والخنوع ..
محمد ناود

شاهد أيضاً

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الأول أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي   تحاور مجلة الناقوس المناضل الكبير عبدالله سعيد …

شخصية العدد- المناضل المغييب محمد عثمان داير (الناقوس العدد 11)

       المناضل المغيب / محمد عثمان داير                   …

المنخفضات -تنخفض الأرض.. ترتفع الهمم (الناقوس العدد 11)

بقلم/ ياسين أمير الجغرافيا رسم الاله على صفحة الكون.. والجغرافيا ترسمنا حين نحسب أننا رسمنا …