العصف الذهني المريب للمناضلين كان مؤشرا لرفض الاستحقاقات الوطنية مستقبلا على المشروع الوطني

sumudمن كتاب ” صمود الهويات ودحض المفتريات”

الفصل الثامن:  شواهد من التاريخ الإرتري الحديث (4)

العصف الذهني المريب للمناضلين كان مؤشرا لرفض الاستحقاقات الوطنية مستقبلا  على المشروع الوطني

لقد تبين إن المقاتلين الذين ناضلو في صفوف الجبهة الشعبية لأجل الحرية والديمقراطية غرر بهم بعدما استخدمت خبراتهم القتالية وحماسهم العالي وجهودهم لتحرير وطنهم واستخدمو لصالح برنامج سري لم يعرفو عنه شيئا قط وخصوصا المسلمين بسبب الإختلاف في اللغة والثقافة. ربما عملية ” أنبيبكا إحلف” ومعناها “إقرأ ومرر” كان لها دور في ذلك التمويه. المسلمين من أبناء المنخفضات ساهمو ببسالة وفعالية في تحرير إرتريا وإبرازها للوجود كدولة ذات سيادة بعدما كادت تبتلع إلى الأبد من قبل إثيوبيا، ثم عندما إنتهت المهمة برز ما كان مبيتاً. مجموعة إثنوقراطية  لا تؤمن بسيادة القانون ولا بحقوق المواطنين المناضلين اللآجئين منهم والحاضرين، مشبعين بذهنية  إثنية عملو  بمكر الليل والنهار وسابقو الزمن لنهب كل شيء في إرتريا لصالح جزء صغير من قومية واحدة والأخطر انبرو بالحديد والنار لطمس الهويات الثقافية للسكان لصالح لغة واحدة ولم يتنازلو قط  حتى الآن قيد أنملة عما خططو له والدليل مشروع التعليم بلغة الأم مستمر منذ أكثر من أربع وعشرين عاماً بعد كل هذا الرفض الشعبي وبعدما ثبت فشله.

التعليم باللهجات المحكية طبق رغم أنف أصحاب الشأن

طعـِّمت إدارة المناهج بوزارة التعليم الإرترية بمجموعة من أبناء المسلمين درءأ للشبهة أوخوفاً من الفشل، دون استبعاد أبناء الهضبة من هذا القطاع نهائياً. ومنذ أواخر 2002 م وحتى الآن يشترك في إدارة  مشروع التعليم بلغات الأم  بعض المسلمين ويترأس إدارة المدارس شخص مسلم  وأطقم التدريس جلهم من المسلمين، ولا أدري هل هذا من منطلق قناعاتهم الشخصية أم آثرو سلامتهم الشخصية. إذا كان الذين يقومون بتنفيذ هذا المشروع إلى الآن وهم يعلمون مضاره والرفض الشعبي له منذ تطبيقه نابع من قناعاتهم الشخصية لا بد أن التوضيح لشعبهم تفاصيل قناعتهم بهذا المشروع لأن الأمر جد خطير، أما إذا كان وراء السبب إيثار سلامتهم  الشخصية ومصلحتهم الشخصية هذا شيء أخر .

السؤال الذي يتبادر للأذهان هل الإنسان يمكن أن يجبر بالترهيب ليتنازل عن هويته الثقافية الموروثة من أجداده  لصالح هوية أخرى ثم يقال عنه تنازل بمحض إرادته ؟ أم هل يعصِفَ ذهنه ذاتياً ليعتنق أيديولوجية مستوردة غير قابلة للتطبيق في بيئته؟ وهل يمكنه التراجع عندما يكتشف زيف تلك الأيديولوجية أو يكتشف عدم وجودها أصلاً في عقول من أقنعوه بها ؟ وهل لا يستطيع رفض القرارات التي أتخذت على ضوء تلك النظرية التي لا يؤمن بها؟

لقد رأينا حتى الآن تنفيذ برامج ينسب إلى نظريات غير معروفة وغير مجربة، ويثبت كل يوم جديد بأنه معول هدم وآلة مدمرة للوحدة الوطنيه والوطن الذي أفنى عشرات الآلاف من الشباب زهرة شبابهم من أجله.

التمهيد لديكتاتورية إثنوقراطية كان مبيتا

المسار الذي سلكته مجموعة ( سلفي ناطنت ) سرا  للوصول إلى ما وصلتْ إليه كان من الدهاء والمكر بمكان بحيث لا يمكن أن يدركه أذهان شباب حديثي العهد بالسياسة غير مؤهلين أكاديمياً، نذروأنفسهم لقضية  بلادهم والوصول إلى دولة الوطن والقانون، ثم غسلت أدمغتهم ببعض النظريات الأجنبية – الاشتراكية التقدمية – قيل لهم هي التي توصل إلى برالأمان، نظريات كل ما فيها شعارات حماسية براقة تناسب عقول شباب في مقتبل العمر. النصر للجماهير – الجبهة الوطنية الديمقراطية العريضة، وإذا قيل لهم لمَ لا تتحدو مع إخوانكم في الفصائل الأخرى كان لديهم  عبارات مبهمة من نوع “الجبهة المتحدة” هي الحل وشعارات ماركسية مضلـِّلة من نوع ”  الإمبريالية العالمية والصهيونية عدونا ” – وشعارات هيستيرية من نوع “ياعمال العالم أتحدو”  ، وشعارات  من نوع ” فالتوعى الجماهير وتنظم وتسلح – حرب التحرير الشعبية الطويلة –  الاعتماد على الذات والنضال الشاق”  الخ … كلها شعارات كانت سطحبة، أما تحت السطح كان هناك عالم آخر كما إتضح لاحقاً . كان حزب الشعب السري المنبثق من سلفي ناطنت ( طابور الحرية) وبرامجه السرية التي لم يطلع عليها إلا نفر قليل من أعضائه حتى الآن كان المهيمن الحقيقي حيث تدار الاجتماعات السرية وتكتب التقارير السرية .

برنامج حزب الشعب السري على حسب الممارسات التي اتضحت لاحقاً كان يهدف اعتماد دكتاتورية إثنوقراطية بأي ثمن وإن لزم الأمر ديكتاتورية مركبة تعتمد على ثلاثة أذرع ( شيفونية حادة ، طائفية متزمتة ، حزبية شبه بوليسية) وصولا إلى تركيز السلطة بيد شخص واحد وتنفيذ خارطة طريق تتدرج نزولا إلى أن يصفي البلاد من المكونات السكانية غير المرغوب فيها، تجهيلا وتجويعاً وترويعاً وتهجيرا ومنعاً من العودة من أماكن اللجوء، ولو افقدت تلك الاجراءات البلاد مقومات الاستمرار وأوصلتها إلى حالة الدولة الفاشلة وقد بدأت بوادرها الآن.

قال لي بعض الأصدقاء في حواراتنا هل يستبعد إن الدهاء الذي استخدم للوصول إلى هذه الحالة الإرترية الفريدة من نوعها خطط له بدقة  على مستوى عال من الكفاءة الدولية وليس من انتاج محلي فقط؟ قلت لا علم لي بذلك..

بدايات تنفيذ موجهات نحنان علامانان

قال لي المواطن الإرتري الذي كنت على إتصال به لجمع المعلومات عن هذا الفصل من الكتاب بداية تنفيذ وثيقة نحن وأهدافنا كانت متواضعة ولكن وجدت الأرضية المناسبة والدعم الداخلي والخارجي فنجحت. كان على سلفي ناطنت التخلص من مجموعة منافسة قوية من أفراد متعلمين. أطلق على تلك المجموعة اسم “منكع” بغرض الإنفراد بالنفوذ والسيطرة وإثبات الولاء للثورة والوطن أمام المناضلين المسلمين الذين كانو حديثي عهد بهم. كلمة منكع هي كلمة باللغة التجرنية تعني (الخفافيش) . هؤلاء الضحايا كانو ينحدرون من منطقة أكيلي جوزاي بالهضبة الإرترية المحاذية لإقليم تجراي. تم التخلص منهم دون إجراء أي حوار معهم أو التحقق من أقوالهم وأسباب معارضتهم أو سؤالهم عن الممارسات التي رأوها خاطئة .الأمر بدأ سريا وانتهى بمثل ما بدأ به.

التخلص من مجموعة ” منكع ”  كان يستهدف ضرب ثلاثة عصافير بحجرة واحدة – الأولى  التخلص من الخصوم المناوئين للرئيس المرتقب،  والثانية الظهور للرفاق الجدد ( تنظيميْ قوات التحرير الشعبية المندمجة معهم حديثاً ) بمظهر الوطني الحادب على مصلحة الثورة والوطن والإيهام بأن الوطن والثورة أهم من  إخوة الطائفة أو الإثنية أو الدين، والثالثة تخويف وترهيب كل من تسوّل له نفسه المعارضة أو المنافحة في المستقبل وإرسال رسالة قوية بأن المعارض داخل التنظيم سوف لا يتمكن حتى من إبداء رئيه وتبرير موقفه . وصلت الرسالة إلى كل المناضلين مسلميهم ومسيحيهم وكانت قوية ورهيبة.

بعد المؤتمر الأول للتنظيمات الإرترية المدمجة مع سلفي ناطنت  انبثقت ” الجبهة الشعبية لتحرير أرتريا ” وتحول سلفي ناطنت إلى العمل السري وفيما بعد تم ترقيته إلى حزب الشعب السري لأن الأهداف التي كان يعمل من أجلها لا تنسجم والقرارات التي خرج بها المؤتمر التنظيمي الأول للجبهة الشعبية لتحرير إرتريا. ومعلوم بالضرورة إن الكيانات والتنظيمات البوليسية تعمل بسرية عالية ولا تظهر أهدافها ونتائج مخططاتها إلا بعد حين أو عندما تلامس وتحتك بمصالح الجهة المستهدفة. ومن هذا المفهوم بإمكاننا استنتاج النتائج التي تمخضت عن مخططات سرية بعيدة  المدى لم تمت يوماً بصلة إلى القرارات التي خرج بها المؤتمر التنظيمي الأول، وهي مخططات أعدت بسرية بالغة في أوقات سابقة وليست وليدة الصدفة منها :

  • تصفية البيت من الداخل من خلال تأسيس جهاز أمن قوي وفتاك اطلق عليه (حلوا ثورة ) وتعني حراسة الثورة لاستبعاد وتصفية بقايا منكع وأي مناوئ للتوجه السري وأي مقاتل مشكوك في ولائه أو شجاع قد يواجه في المستقبل واي مناضل مثقف ومتعلم أكثرمن اللآزم.(over qualified )
  • احتواء واحتضان المقاتلين غير المتعلمين من التنظيمات الأخرى التي اندمجت مع سلفي ناطنت وتحييدهم ثم استمالتهم ثم تحريضهم على قياداتهم من خلال غسل أدمغة وعصف ذهني وممارسات أخرى منها تلطيخ السمعة والنعت والإحراج من خلال النقد والنقد الذاتي بأمور كان يراها لصالح العمل قلبها ضده بوشاية كاذبة من أحد المقاتلين الموجهين .

–     التظاهر بتبني الاشتراكية ظاهرياً والظهور بمظهر الثوريين اليساريين وإيهام المقاتلين بأن عدوهم                               الرئيس ( الامبريالية  العالمية والصهيونية) دون شرح ماهية الامبريالية والصهيونية .

–     فرز المقاتلين إلى ثلاثة فئات والتعامل مع كل فئة بطريقة مختلفة: مثلا المسلمين المتعلمين كان يتم    استبعادهم أو استخدامهم في  مواقع لا يؤثرون فيها على المقاتلين الآخرين وخصوصاً المسلمين . خلط        الدهماء من المقاتلين المسلمين  مع المسيحيين المتعلمين  بغرض التاثير عليهم وعلى قناعاتهم،          وإعطاؤهم جرعات مستمرة من التثقيف المعد بمهنية وبدقة عالية تحت مسمى التثقيف السياسي       وتعريضهم لعصف ذهني وغسل أدمغة بالتجرنية وإبعادهم عن اللغة العربية وعن الدين والقيم التي     نشأؤو وتربو فيها . تصوير الدين بالتخلف ووصفه بأفيون الشعوب وإلهاء الدهماء والبسطاء من المقاتلين                      بالرقص والسكر.

  • تأسيس إدارات جديدة وترسيخ بعض المصطلحات في أذهان المقاتلين البسطاء منها:
  • ( أنبيبكا إحلف ) وتعني بالتجرنية إقرأ ومرر وكان شعارًا خاصاً بالمقاتلين المسيحيين الجدد وكان يقصد بها تمرير التعليمات الخاصة من خلال ورقة واحدة مكتوبة بالتجرنية يقرؤها المقاتل ويمررها إلى غيره وهي كما اتضح لاحقاً  كانت تحتوي على تعليمات سرية وكانت تمر بصفة مستمرة وكانت بمثابة أداة التواصل بين القاعدة والقيادة السرية لحزب الشعب السري ولا يعرف كنها المسلمين لأنها مكتوبة بالتجرنية.
  • تأسيس جهاز للتعليم وتبني التعليم بلغات الأم وطبع كتب دراسية بالتجرايت بحروف الجئز في المناطق الني سيطرت عليها الجبهة الشعبية دون تخيير أو حتى استشارة أولياء الأمور وهي مناطق تقطنها قبائل إسلامية وكانت تعتمد مدارسها اللغة العربية للتدريس في المدارس الابتدائية قبل ضم إرتريا إلى إثيوبيا قسرا.
  • تبني شعارات مبهمة إتضح لاحقاً بأنها كانت تعني عكس مدلولاتها اللفظية وكانت أداة خداع واستهلاك من ذلك:

– الجبهة المتحدة وكانت تعني ظاهرياً شكل من أشكال الوحدة ولكن إتضح لاحقا بأنها كانت تعني لا وحدة مع أي تنظيم آخر .

– عامة – وكانت تعني جبهة تحرير إرتريا القيادة العامة فسرت للمستجدين من أبناء الهضبة الإرترية بأنها تعني قتلة – وكان يتم نعتهم أمام مقاتلي الشعبية كأناس أخطر من العدو وكانو يتغنون بسبهم.

– مجتمع حديث – تعني حتى الآن إنهاء الفوارق اللغوية والتحدث بالتجرنية فقط – وكانو من قبل يركزون على الدهماء في هذا الجانب ويوهمون بأن الشعب الإرتري شعب واحد في كل شيء وإن الاستعمار هو الذي مزقه للحيولة دون وحدته الوطنية .

– التعليم بلغة الأم ويستهدف بها رفض اللغة العربية التي يريدها السكان المسلمين سواء المتحدثين بالتجري أو المتحدثين بالتجرنية (المسلمين )أو المتحدثين بالبلين والساهو والحدارب والنار والكوناما والعفرية.

– التثقيف السياسي – وكان يُقصد به العصف الذهني وهي نظريات مفبركة أعدت بإتقان وبمهنية عالية لغرض التضليل وتوجيه المستهدف نحو هدف محدد لا يرى سواه والأميين والدهماء من المقاتلين كانو الأكثر عرضة لذلك التضليل .أما الكادر المتقدم كان يدعى لسمينارات مطولة.

جبهة ديمقراطية عريضة: بعد رفض إشراك الفصائل الأخرى أو حتى إشراك تيارات من نفس تنظيم الجبهة الشعبية في الحكم  إتضح إنها كانت تعني حزب واحد لا منافس له .

– الثقافة ( بهلي ) وتعني للشباب غير المتعلم حتى الآن (وهم الأكثرية) حفلات الرقص والسكر والرذيلة والمجون وهدم القيم الدينية .

– الرجعية كانت تعني لديهم التدين والقيم الفاضلة.

– القوميات وتعني المجموعات اللغوية  أو المجموعات الإثنية الإرترية.  ويستخدم هذا المصطلح  حتى الآن لتمزيق وحدة المسلمين الإرتريين كي ْ لا يشكلو كتلة واحدة أو يستعيدو أمجاد الكتلة الاستقلالية التي وقفت في وجه إثيوبيا والانضماميين ببسالة في الخمسينيات من القرن الماضي.

شاهد أيضاً

مهرجان الرابطة بمدينة كولن في المانيا

المهرجانات الثقافية حالة تفاعل بين القيم والموروثات .. ودعوة لقراءة تاريخ الاجداد

ابو بكر صائغ قال لي أحد الاصدقاء في جلسة ودية تفاكرية إنني أؤمن بطرح رابطة …

ملبورن: إذ تحدث عن إرث متأصل

عبدالرحمن كوشي رابطة أبناء المنخفضات الارترية الفتية، بعد أن فجرت الطاقات الفنية الكامنة، من قلب …

احتفال الرابطة في ملبورن

علي جبيب شهدت مدينة ملبورن الاسترالية منذ يومين احتفال ابناء رابطة المنخفضات الارترية بمناسبة الذكرى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *