الرابطة تتصدر المشهد …

بقلم: أبو رامي –

تعرضت رابطة أبناء المنخفضات الإرترية منذ بداية تأسيسها لهجوم شرس لم تشهده ساحة العمل الإرتري لأي كيان معارض من قبل.

وحقيقة، هذا الهجوم لم أجد له تبرير منطقي حتى الآن، وأنا عن نفسي هو ما لفت انتباهي للرابطة وبدأت بعدها أبحث عن أخبارها وأتابع نشاطاتها وأقرأ أدبياتها وأتمحص في أهدافها وأناقش مع معارضيها ومناصريها.

من كل ذلك تولدت لدي قناعة راسخة بأن الذين يهاجمونها إنما يتوجسون خيفة من هذا المجتمع، وليس المقصود الرابطة نفسها، إنما المقصود هو إعاقة نهضة هذا المجتمع من جديد، لأن وحدته ولم شمله يعني عودته إلى الساحة مرة أخري وهو أكثر خبرة وأوفر تجربة مما يعني عودة صاحب الحق ليأخذ حقه.

المتابع للفضاء الأزرق الإسفيري نجد أنه ليس هناك حديث إلا عن رابطة المنخفضات، خلافاتها ومهرجاناتها وقيادتها وقاعدتها.

وهذا يدعو للتساؤل: لماذا؟

ساحة العمل الوطني المعارض فيها قرابة الأربعين كيانا معارضا. فيها من يحمل اسم مكون واحد فقط من مكونات المجتمع الإرتري. ولا تجد من يحاربه أو يذكره أو يسئ إليه.

معنى ذلك أن المشكلة ليست في الاسم كما يدعون. ربما تكون المشكلة في طريقة طرح الرابطة لنفسها في الساحة حيث جعلت من الشفافية منهاجا لطريقة عملها وذلك منذ سمنار لندن 2014م، في مجتمع لم يتعود على هذه الشفافية وهذا الوضوح في الطرح، فأصبحت الرابطة بعد ذلك عرضة للتساؤلات والنقاشات والإساءات.

وحتى كان هناك بيان مضاد لسمنار لندن يتبرأ من الرابطة ومؤسسيها وهذا كان بداية الغرابة. فأنت من حقك أن تختار طريقة مقاومتك، لكن من الذي أعطاك الحق في الحجر على الآخرين في اختيار طريقة مقاومتهم.

في رأيي أن طريقة بداية عمل الرابطة في طرحها للعام كانت فيه بعض الأخطاء، لأنه عندما تعرض نفسك للملأ، الكل يقول فيك ما يريد قدحا وذما وإساءة وتجريح بغير مسوغات منطقية بعيدا عن الحوار المسؤول والنقاش المفيد. فبذلك أنت الذي عرضت نفسك لهذه الترهات وهذه الإحباطات.

وبالأخص أن وسائل التواصل الاجتماعي بها كل أنواع وأصناف البشر حتى لا تستطيع أن تتبين الصالح من الطالح بينهم. وقليل منهم هو الذي يحاور بأدب ويناقش بفهم لتوصيل الفكرة أو الإقناع بحجته.

تجد ألفاظ جارحة، وفهم سطحي وجدال بيزنطي لا يريد أن يفهم بقدر ما يريد الإثارة وحرق الأعصاب. وطبعا هناك من هم أعوان للنظام يتخفون لإثارة الفتن وتأجيج نيران النعرات القبلية والخلافات السياسية.

فهل كانت المشكلة في شفافية الرابطة وطريقة عرضها لأدبياتها، أم المشكلة في المتلقي أيا كانت خلفيته السياسية أو المناطقية؟

المجتمع الإرتري برمته في طور التشكل والتمحور يبحث عن طريقة لتنفيس غضبه وشماعة لتعليق خيباته فوجد في الرابطة ضالته.

هذا المجتمع الذي لم يجد طريقه لاستجماع أنفاسه من مستعمر إلى مستعمر ومن حرب إلى حرب ومن لجوء إلى لجوء. وحتى بعد الاستقلال لم يجد الفرصة ليعبر عن رأيه أو يساهم في اختيار من يحكمه. معظم التجارب في الدول الإفريقية المجاورة تكون مرحلة ما بعد الاستقلال المباشر هي العصر الذهبي لهذه الأمم في التطور والنمو والنهضة ومشاركة الجميع في بناء الوطن، إلا في الحالة الإرترية حيث لم نشهد حرية في الرأي أو مشاركة للمعارضة في الحكم أو حتى دستور ينظم حكم البلاد.

فربما انعكس ذلك الإحباط النفسي في مهاجمة الرابطة بكل ضراوة خاصة وهم يخافون من الفكر القديم ل (تيرافاسكس) الحاكم البريطاني بتقسيم مرتفعات إثيوبيا ومنخفضات السودان. مع أن الرابطة كررت مرارا وتكرارا في أدبياتها وندواتها بأن هذا المشروع ليس له علاقة بالقديم ولكن تظل التهمة باقية.

وهذا يقودني أيضا إلى التساؤل، هل الذين يصفون أنفسهم بالناشطين يقرأون أدبيات الرابطة بداية من الوثيقة وكتاب المنطلقات النظرية الذي يعتبر مرجعا فكريا جديدا في الساحة حوى كل أوراق المؤتمر التأسيسي. تجد أحدهم يجادلك ساعات وهو لم يكلف نفسه أصلا بقراءة سطر واحد من الوثيقة.

مشكلتنا كإرتريين ننظر بعين السخط وعين الرضى وما بينهما يكون الحكم دون الرجوع إلى المنطق في الحكم الصحيح.

نحن مجتمع يعتمد على الشفاهة في نقل المعلومة والتوثيق وإبداء الرأي. لا نقرأ كثيرا في تاريخنا وإذا قرأنا لا نستفيد من تجاربنا.

والمكتوب في التاريخ الحديث بالرغم من قلته وبعده عن القراءة النقدية الصحيحة، حيث كل من يكتب يقرأ الأحداث برؤيته إلا أنه مهم في فهمك لمجريات الأمور والحرص في عدم الوقوع في نفس الأخطاء القديمة.

حيث تجد في مشكلة الرابطة الأخيرة من يتكلم وينظّر في المشكلة وهو أصلا لم يفهم المشكلة جيدا. حيث أنه لم يكن عضوا تنفيذيا أو تشريعيا وبالرغم من صدور البيانات المفصلة للمشكلة من بدايتها، تجد أن معظمهم مر عليها مرور الكرام، لم يفهم المشكلة جيدا حتى يساعد في حلها بطريقة جيدة.

حيث معظمنا يعتمد على الصداقات والتواصل الشخصي في فهم المشكلة وبعد ذلك يكون الاصطفاف.

هناك كفاءات عديدة من أبناء هذا المجتمع سئمت من الوضع الراهن فأقفلت عليها بابها وتوارت عن الأنظار. وهذا ليس حلا لأننا جزء من هذا المجتمع نضعف بضعفه ونتقوى بقوته.

ما أردت قوله، غياب الكفاءات يفسح المجال لمن هم أقل كفاءة، وهذا ناتج معروف لأي ابتعاد للكفاءات عن المشهد العام، يجعل من يمتلك قليل من الشجاعة الأدبية وقليل من المفردات اللغوية يتقدم إلى الصفوف الأمامية.

من المميزات الإيجابية لرابطة المنخفضات أنها سنت سنه جديدة في العمل الوطني الإرتري من أهمها أنها بادرت بكتابة وثيقتها قبل انطلاق برنامجها على أرض الواقع وقامت بإصدار كتاب فيه كل النظريات والأدبيات لعملها الذي هو الطريق الصحيح لتقييم العمل وما به من إنجازات أو إخفاقات والمهم أيضا للدراسات البحثية مستقبلا.

قد يتفق الناس أو يختلفون مع الرابطة، إلا أنها أسست فهما جديدا في العمل الوطني بداية بمفهوم منظمة المجتمع المدني والشفافية في الطرح والوضوح في الرؤية والتوثيق لكل الأدبيات في شكل كتاب وطرحه ليكون ملكا للجميع. نشرت الوثيقة في الشبكة العنكبوتية لتكون متاحة لكل من يريد الاطلاع. وهكذا أي فكر جديد محارب. من ادعى كروية الأرض وصف بالجنون. الرابطة هي بداية لمشروع جديد لا يتوقف على الأفراد الذين هم إلى زوال بل هي تجاوزت الأفراد لتكون ملكا للمجتمع كله.

شاهد أيضاً

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الأول أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي   تحاور مجلة الناقوس المناضل الكبير عبدالله سعيد …

شخصية العدد- المناضل المغييب محمد عثمان داير (الناقوس العدد 11)

       المناضل المغيب / محمد عثمان داير                   …

المنخفضات -تنخفض الأرض.. ترتفع الهمم (الناقوس العدد 11)

بقلم/ ياسين أمير الجغرافيا رسم الاله على صفحة الكون.. والجغرافيا ترسمنا حين نحسب أننا رسمنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *