إعادة طباعة العملة وزيادة الأجور !!!

ashwak1بقلم الأستاذ: صالح أشواك

في نوفمبر الجاري 2016م يكمل تنفيذ المنشور الذي أصدره البنك المركزي الإريتري عامه الأول حيث قضى القرار باحتجاز الأموال تحت ذريعة تغيير العملة الوطنية ( النقفة) بعد أن تم اعداد نسخة جديدة من تصميم Afro-American Banknote Designer طبعت بواسطة شركة Giesecke & Devrient الألمانية وخلت من أي تعديل ملحوظ ولعل الأسباب التي تستدعي تغيير العملة هي بالضرورة معلومة للاقتصاديين كما أن لها نتائج مرجوة إلا انه في الحالة الإرترية لم يكن الأمر أكثر من استمرار لسطوة الدولة على كل الحركة الاقتصادية فإن عملية إعادة الطباعة لم تتم لخلق الاستقرار في الأنظمة المصرفية والذي في الغالب تلجأ إليه الدول في حال حدوث تذبذب فيها، و لكن القرار اللاحق باحتجاز المبالغ جاء مغايراً لكل المعالجات الاقتصادية فقد فاقم الأمر أكثر مما كان عليه قبل إعادة الطباعة وقرارات الاحتجاز للمبالغ المودعة كما أن من الأسباب الموجبة لتغيير العملة وإعادة طباعتها، القضاء على ظاهرة التضخم الاقتصادي ولكن الذي حدث لم يكن فيه توازن بين التضخم وتسييل النقد على نحو يلبي حاجيات المواطن وينعش الحركة التجارية الصناعية والخدمية بل عطل كل الدورة الاقتصادية في البلاد بموجب هذا القرار المدروس بعناية فائقة من حيث اختيار التوقيت حتى يفسر الأمر وكأنما هو قطع للطريق أمام الثراء الفاحش الذي أحدثته تجارة البشر والقرار نفسه كان تمهيداً لجملة من القرارات اللاحقة والتي سوف نتعرض لها في متن هذا المقال فإن المبررات التي تم تسويقها من قبل الحكومة تمثلت في محاربة السوق الموازي (السوق الأسود) والقضاء على التضخم ومحاربة الفساد ومع ذلك لم يلاحظ أي تحسن في الأمر خلا ندرة النقد نتيجة احتجازه في بنوك النظام.

فإنه وبموجب هذا القرار كان لازماً على المواطنين استبدال ما لديهم من عملات بالنسخة الجديدة منها على أن تودع في حساباتهم المصرفية ويكون الاستبدال نقفة جديدة مقابل نقفة من القديمة أي (1 إلى 1) ويتم صرف مبلغ (20.000 عشرون ألف نقفة فقط) شهرياً من الأموال المودعة لدى فروع المصرف المركزي الوحيد في البلاد والتي تم خفضها لاحقا إلى (5000 خمسة آلاف نقفة فقط).

و هذا القرار عطل الحياة الاقتصادية نتيجة توقف إصدار أي سندات مالية بنكية كخطابات الضمانات وخطابات الاعتمادات البنكية مما عطل الحركة التجارية فيما يتعلق بالتبادل التجاري وتحمل تبعات هذا القرار الاقتصاد الوطني الذي كان يعاني أصلاً من ضعف وترهل نتيجة دخول شركات النظام في مزاولة الأنشطة التجارية والتضييق على القطاع الخاص الذي هو بدوره كان ضعيفاً نتيجة انعكاس الوضع العام عليه وفي تقديري فإن المتضرر الوحيد من كل هذا هو المواطن بدرجة كبيرة وذلك لجملة من النتائج التي ترتبت على هذه القرارات حيث توقفت الأنشطة الصناعية والمعامل الإنتاجية نتيجة عدم توفر مدخلات الإنتاج مما انعكس على الأسعار التي تحددها الندرة كاستجابة لشرطي العرض والطلب علاوة علي تبديد فرص العمل لسوق هو في الأصل يعاني من بطالة وانعدام الكوادر الإنتاجية نتيجة عسكرة المجتمع وإدماج الشريحة المنتجة في برامج (السخرة) طويلة الأمد.

فإن القرار هدفه الأساس هو سيطرة الدولة على المال والاستحواذ على كل المقدرات المالية للبلاد عبر احتجازها في البنك المركزي وفروعه. ومن المفارقات فإنه في حال إن كان للمواطن أي تعاملات تجارية سواء توريدات لمنتجات أو تقديم خدمات أو تأجير عقارات على أي مؤسسة أجنبية سواء كانت هيئة دبلوماسية أو منظمة إنسانية، فقد قضت بأن لا يسدد ما يقابل هذه الخدمات نقداً للمواطن المستفيد بل تودع المبالغ في حسابه المصرفي.

ومن أغرب المفارقات العجيبة فإن إريتريا لم تعلن ميزانيتها للعام 2016م والصرف على أنشطة الدولة كان يتم عن طريق أوامر صرف من مكتب الرئيس دون أي مؤشر اقتصادي ودون أن يتم تحديد أولويات في الصرف بمعني آخر أن العام 2016م لم تكن له أي ميزانية وهذا لعمري لم نسمع به في الكون إلا في إريتريا التي تعد حالة استثنائية في العالم و قبل أيام قليلة تم الطلب من المحافظات وما يعرف بالـ (زوبا) الرفع بمرئياتهم لاستحقاقات العام 2017م لذا تجد إرتريا غير حاضرة في تحليلات المؤسسات العالمية التي تراقب مستويات النمو الاقتصادي للدول والتي تخضعها للمعايير المعمول بها عالمياً حيث يؤخذ عدد السكان بعين الاعتبار وحتى الآن لم تجرى في إرتريا عملية التعداد السكاني على أهميتها كما أنه لا يوجد مؤشر لمتوسط دخل الفرد الحقيقي ومتوسط دخل الفرد المصحح بتعادل القوة الشرائية علاوة على مؤشرات التنمية البشرية كالصحة والتعليم والتدريب والقدرات الإنتاجية.

القرار الذي أصدره البنك المركزي لم يكن قرارا اقتصاديا بل كانت الغاية منه إصدار قرارات لاحقة تتبع لهذا القرار وذلك للخروج من دائرة المراقبة والإدانة التي بدأت تلاحق النظام نتيجة للإبقاء علي المجندين في السلك العسكري أو ما يعرف ب (الأقلقلوت) التي تعني “خدمة العلم” مدد تتجاوز المحددة في القانون والأعراف إذ أنها بلا أمد انتهاء ولأن المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة اتهمت إرتريا بتشغيلهم دون أجور حيث كان أجر المجند 500 نقفة وفي محاولة للالتفاف على التحقيقات التي بدأت تجريها هذه المنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة نتيجة لتقارير توضح ذلك فإن النظام قد أعلن إعادة هيكلة الرواتب على أسس جديدة كموجبات للزيادة وزيادة أجور المجندين إلى مبلغ 1250 نقفة واعتبار معيار إعادة هيكلة الرواتب على أساس المؤهل العلمي بصرف النظر عن سنوات الخدمة أو الوظيفة التي يتقلدها الموظف فقد تم إعلان هذه الزيادة في أغسطس 2015م على أن تكون الزيادة بأثر رجعي حتى شهر يونيو من ذات العام ولكن تم إنفاذ هذا القرار في مطلع أغسطس من هذا العام دون اعتبار لتأريخ صدور القرار بمعنى آخر أن الزيادة احتسبت من تأريخ التنفيذ. هنا دعوني أستفيض في شرح الزيادة المقررة وآلية تسليمها للموظف بعد استيفاء الاستقطاعات، سواء كان في القطاع العسكري أو المدني:

1- المجند الذي لا يحمل أي مؤهل وممن هم دون الرتب في الجيش تقرر رفع رواتبهم إلى 1250 نقفة وجرى أيضاً الالتفاف على هذه الزيادة المزعومة بالاستقطاعات التي تتم من الراتب ومقسمة بطريقة غريبة بعض الشيئ، إذا كان المستفيد متزوج فإن 600 نقفة تسلم للزوجة وإذا لم يكن مؤهلاً يتم ادخار المبلغ له في حسابه المصرفي وبطبيعة الحال المتزوجين قلة وأغلب الشباب لم يتزوجوا هذا هو الاستقطاع الأول، أما الثاني فيتم خصم مبلغ 200 نقفة لبناء المنزل الذي سوف توفره الدولة في الخطط الإسكانية لاحقاً (بيع سمك في الشط) !!! ويتبع ذلك خصم مبلغ 150 نقفة مقابل الإعاشة في المعسكر و50 نقفة مقابل الخدمات التي تقدمها الدولة ليصبح المتبقي فقط 250 نقفة تصرف نقداً للمجند أو المدني الذي لا يحمل مؤهلاً أكاديمياً لمن هم دون الرتب العسكرية التي تبدأ بالمساعد وترتقي صعوداً لتصل لرتبة وزير الدفاع هذه الفئة تصرف راتبها عن طريق وزارة المالية.

2- حملة المؤهلات العلمية العليا والتي تبدأ من المعاهد العليا التي تمنح الدبلوم للدارس في سنتين فإن أقل راتب لهذه الشريحة قدره 2500 نقفة علي أن تكون الزيادة عن كل سنة دراسية 500 نقفة لما بعد السنتين والبكالوريوس سنواته المقررة 4 سنوات حتى الذين درسوا خمسة سنوات في مجال الهندسة لا تحتسب لهم هذه السنة الإضافية كما هو حال دارسي الطب الذين تمتد سنوات دراستهم في بعض الجامعات إلى ست سنوات، هذه الرواتب تطبق فيها كل الاستقطاعات التي ورد ذكرها والفرق الوحيد أن هذه الفئة تصرف رواتبها من المكتب الخاص (مكتب الرئيس) أي بمعنى آخر حاملي المؤهلات العلمية يصرفون رواتبهم من مكتب الرئيس.

من الذي تضرر من هذه القرارات:

1- قدامي المحاربين العاملين في القطاع المدني الذين لم تشملهم هذه التعديلات والتي استند فيها على المؤهلات الجامعية بمعنى آخر ربما تجد راتب مدير دائرة أقل من موظف يعمل تحت إدارته إذا كان الأخير جامعياً.

2- قدامى المحاربين من الضباط والرتب العسكرية وقادة الجيش الذين تم استدعاءهم في نداء الوطن في 1998م والذين لبوا النداء وتم منحهم الرتب العسكرية وتكليفهم بقيادة التشكيلات العسكرية فإن هؤلاء أيضاً لم تشملهم الزيادة عدا من كان يحمل منهم مؤهلاً جامعياً.

3- الجنود حديثي العهد الذين تم تسريحهم في العام 93-94 وطلب منهم العودة في 1998م فإن رواتبهم التي لم تتجاوز 700 نقفة هم أيضاً من المتضررين من عدم شمولهم بهذه الزيادات.

الإشكالات التي ظهرت جراء هذه القرارات:

1- تزايد حالات الهروب الفردي والجماعي وبشكل شبه يومي.

2- ظهور مظاهر الاحتجاج العلني في أوساط الملتحقين بالوحدات العسكرية.

3- عزوف البعض عن العمل والجلوس في منازلهم وإحجامهم عن العمل في ظاهرة جديدة على الدولة الإرترية حيث كان الخوف من رد الفعل الحكومي الباطش هاجس يؤرق الجميع.

4- مطالب جماعية ولوحدات كاملة بالنقل مما يعرف بمناطق (الدفاع مجازاً) ويعملون فيها دون تمييز إيجابي كونها مناطق شدة إذ لا بدل لها في بند الرواتب مما أظهر بوادر عصيان جماعي.

الأسباب التي جعلت الحكومة الإرترية تتخذ هذه القرارات:

1- لدحض أي اتهام بأن الدولة تستخدم المجندين بالسخرة وأنها تعهدت بزيادة رواتبهم وقد التزمت بتعهداتها لذا ليس هناك ما يبرر هذه الاتهامات لأن الفئة التي تم استهدافها بالزيادة هم جنود الخدمة الوطنية.

2- تقليل راتب الخدمة الوطنية بالتحايل على هذه الزيادة بالاستقطاعات من 500 نقفة إلى 250 نقفة عملياً وفعلياً.

3- التعرف على مصادر الاحتجاجات تمهيداً للقضاء على كل من يرفع صوته برفض السياسات الحكومية وهذه الاحتجاجات يتم رصدها من المكتب الخاص للرئيس.

لذا نجد القلق يسيطر على الحياة العامة والحياة الخاصة للمواطنين الذين أفقرتهم هذه الحكومة من ما يمتلكون من مدخرات مالية نتيجة حجزها في البنوك والتلاعب في الاستحواذ على رواتب الموظفين عبر زيادات وهمية تتبعها استقطاعات تعسفية.

شاهد أيضاً

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الأول أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي   تحاور مجلة الناقوس المناضل الكبير عبدالله سعيد …

شخصية العدد- المناضل المغييب محمد عثمان داير (الناقوس العدد 11)

       المناضل المغيب / محمد عثمان داير                   …

المنخفضات -تنخفض الأرض.. ترتفع الهمم (الناقوس العدد 11)

بقلم/ ياسين أمير الجغرافيا رسم الاله على صفحة الكون.. والجغرافيا ترسمنا حين نحسب أننا رسمنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *