هل هي الكونفدرالية….

همسة/ مصطفى جعفر

ان المتابع للأحداث الجارية ما بين أثيوبيا ونظام الهيمنة القومية الحاكم في اسمرا قد يقف حيران مندهش. وهذا ليس لأن السلام بين الدول أوان يقوم رئيس دولة بزيارة ودية الى دولة جارة أمر خارق للعادة.
كل هذا عند أهل السياسة يسمى علاقات دولية، ولكن عندما يتعلق الأمر بأثيوبيا وإرتيريا يحتاج الي وقفة تأمل ومراجعة شاملة للأحداث. فعلى سبيل المثال أثيوبيا ليست هي السودان الذي آوى مئات الألوف من اللاجئين الإرتريين منذ منتصف ستينيات القرن الماضي وما يزال، وليست السعودية أو مصر ألتي استقبلت الآلاف من طلاب العلم في مدارسها وجامعاتها، وليست الصومال الذي احتضن ثورتنا ومنح قادتنا وثائقه الدبلوماسية.
إثيوبيا التاريخية هي الدولة التي حاربت شعبنا بشتى السبل على مدى سبعة عقود، دولة تلطخت اياديها بدماء شهدائنا الأبرار، دولة حرقت الأرض وهدمت البيوت، وهجرت الملايين من شعبنا.
قد يقول قائل بأن كل ما ذكر هو من الماضي، وان أثيوبيا اليوم ليست امبراطورية منليك او يهنس وهيلي سلاسي، ومنقستو.
نتفق مع من يقول هذا وأكثر، ونقول نعم إن أثيوبيا اليوم ليست إثيوبيا الأمس للإثيوبيين إنما دولة تشهد طفرة فريدة في منطقة القرن الافريقي سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، دولة تحاول اللحاق بكل أسباب النهضة والتقدم بمجتمعها الذي قدم الكثير من التضحيات من اجل أثيوبيا الجديدة، فكل هذه التضحيات كانت من أجل هذه الاستحقاقات التي ينعم بها الشعب اليوم، ويطالب بالمزيد من الحقوق والحريات ويجري حراكا شعبيا قويا، ومن أبرز ملامحها الاعتراف بتعدد أصول الشعب الأثيوبي العرقي والثقافي والديني والاعتراف بحق كل هذه المكونات في الحياة الكريمة وبحقها في الثروة والسلطة، وتؤكد المشاهد بأن الجارة أثيوبيا قد تمكنت من قطع أشواط في هذا المضمار، وآخرها الانتقال السلمي للسلطة والتوافق على تسميه د. أبي أحمد رئيسا للوزراء.
بالتأكيد ان المبادئ لا تتجزأ، وان النضال من اجل المزيد من الديمقراطية في أثيوبيا لا يجب ان يكون انتقائيا وكذلك كل القيم النبيلة. لذلك كانت الدهشة من دولة ترفع شعار الحرية والمساواة والديمقراطية وترفض الهيمنة القومية والظلم والتهميش والاستبداد، ان تقف موقف لا يليق بهذه الشعارات عندما يتعلق الامر بالوضع في ارتريا، خاصة وان قادة التغيير بقيادة د. ابي أحمد يعلمون تماما طبيعة نظام الهيمنة القومية في ارتريا، وما يعانيه الشعب الارتري في مختلف مناحي الحياة السياسية والامنية والاقتصادية وحقوق الانسان.. الخ. ليس هذا فحسب بل تسويق دكتاتور ارتريا برجل السلام والحكمة، كما وصفه رئيس الوزراء الاثيوبي المستقيل هيلي ماريام دسالينج، وتبني النظام الجديد في اثيوبيا رفع العقوبات المفروضة عليه من المجتمع الدولي لتمكينه من استكمال مشروعه للهيمنة القومية واضطهاد الشعب الإرتري، امرا غير مقبولا تماما للشعب الارتري، ولا يحقق ما يصبو اليه النظام الجديد في اثيوبيا وسيكون مصير هذه العلاقة كسابقتها عندما كان السيد/ ملس زيناوي رئيسا للوزراء.
إن تختار القيادة الجديدة في اثيوبيا العصابة الحاكمة في اسمرا كحليف استراتيجي وكشريك في توطيد العلاقات بين البلدين يضع الكثير من علامات الاستفهام، خاصة وأن رئيس الوزراء د. أبي أحمد ذو الخلفية الامنية يدرك تماما طبيعة النظام في اسمرا والتحديات التي تواجهه داخليا وخارجيا، وبرغم ذلك راهن صناع السياسة الإثيوبية على اسياس افورقي للوصول إلى موانئ ارتريا، على حساب معاناة الشعب الارتري المغلوب في امره.
أما علي المستوى الإرتري، فتباينت المواقف ما بين متشكك، وما بين من كاد أن يموت فرحا، وما بين من أدرك بأن ارتريا ارضا وشعبا اليوم على مشارف مشروع شبيه بمشروع الاتحاد الفيدرالي الذي اشعل ثورة الواحد والستين، وهناك مشروع “أمنا أثيوبيا” الذي ما زال يعشعش في عقول الكثيرين حتى بعد كل هذه السنين المريرة من حرب التحرير.
ومع كل هذا فان اثيوبيا اليوم ليست إثيوبيا الأمس وأن أبي أحمد ليس إلا بداية تغيير له ما بعده وبأن الشعوب الإثيوبية لن تقبل إلا المزيد من الحقوق والحريات، وأن أثيوبيا اليوم هي دولة المؤسسات والقانون والبرلمان وليست مكتب الرئيس وحسب مثل ما هو الحال في ارتريا.
أما العصابة الحاكمة في اسمرة وكما تابع الناس تعيش ورئيسها حالة من الفرحة الهيسترية تمثلت في كل تصرفات العصابة التي افتقدت إلى أبسط قواعد الدبلوماسية والاتكيت والبروتوكولات المتعارف عليها بين الدول .
يدرك نظام افورقي بأن ليس لديه ما يخسره من هذه الاتفاقيات، بل بالعكس قد مدت من عمر النظام الذي كان ميتأً اكلنكياً والحاضنة الاجتماعية ألتي كانت تعبئة ضد إثيوبيا والتقراي على مدى عشرين عاما يمكن تعبئتها مجددا لدعم نظام الهيمنة القومية كما حدث مؤخرا في مدينة أوسلو النرويجية.
إن الوتيرة السريعة ألتي تتم بها عملية السلام بين إثيوبيا ونظام الهيمنة القومية تشير إلى ادخال الوطن الإرتري في منعطف خطير جدا وخاصة في غياب دور قوى المقاومة الوطنية، والتي أصبح من الصعب التنبؤ بمستقبلها بعد التطورات الاخيرة بين البلدين، وان دخول النظام منفردا في اتفاقيات على هذا المستوى كلها دلائل تشير إلى أن القادم من الأزمات على الوطن ارتريا سيكون كارثيا، ولكننا على ثقة تامة في ان كل هذه المؤامرات ستتحطم على صخرة صمود الشعب الارتري المناضل وقواه الواعية.

:

:

شاهد أيضاً

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الأول أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي   تحاور مجلة الناقوس المناضل الكبير عبدالله سعيد …

شخصية العدد- المناضل المغييب محمد عثمان داير (الناقوس العدد 11)

       المناضل المغيب / محمد عثمان داير                   …

المنخفضات -تنخفض الأرض.. ترتفع الهمم (الناقوس العدد 11)

بقلم/ ياسين أمير الجغرافيا رسم الاله على صفحة الكون.. والجغرافيا ترسمنا حين نحسب أننا رسمنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *