كورونا .. فرصة للمقاربات   

  محمد ناود

ضقت ذرعا بالمكاث منذ إعلان الحجر المنزلي الإجباري تفاديا لجائحة كورونا وتنازعني نفسي بالخروج بسبب أو دون سبب .. أحس وكأنما هنالك امر يناديني ويستصرخني اهدم حجرك .. أهدم حجرك .. صحيح أنني بيتوتي (البيت) المزاج طالما ليس هنالك ما يستحق الخروج والتسكع وأستطيع في مخبئي ان ابتكر ما يؤنس وحدتي غير مفتقد الرفقة والجماعة وبإرادتي دون امر أو اضطرار وهذا ما يكدر حياتي ويجعل الزمن لزجا وحجريا في آن واحد .. ان يكون وجدي بالبيت إجباريا ليس كالمعتاد ..

ومواساة لحالتي استدعيت ذلك الأسقف البريطاني (تيري وايت) الذي كان رهينة في لبنان منذ عام  1987م وحتى 1991م وكيف كان يقضي يومه في عد بلاطات زنزانته ويحسب أطوالها ويصغي إلى حفيف الأشجار أو اي صوت يسمعه ويرهف له حواسه كلها .. كل ذلك في سبيل أن لا يتسرب اليأس إلى عقله ويذرع زنزانته الخطوة تلو الخطوة حتى لا تتيبس أطرافه مدة اختطافه كلها .. فيا ترى هل يخطو معتقلينا ومغيبيبنا كخطوه ويعدون مسافات الأيام عليهم كما تعد رصفات البلاط بزنزانة تيري وايت .. فهناك صرير الاستكاوزا الذي يصم الآذان في سجن جزيرة دهلك كما وصفه أمير بابكر عبد الله في مدونته (الغولاغ الإرتري) وصخب الصمت الذي يذيب العقل مختلطا وصماخ الأذن ..

وطاف بي وانا في حجري الإجباري وبين أشيائي التي أتواصل بها مع مئات بل آلاف من حالات الحجر الصحي الأخرى (من إنترنيت وتلفزيون) ذلك الثقب الذي كان يتلصص به فرج بيرقدار في روايته (خيانات اللغة والصمت) على باحة السجن الذي لا يعدو غير فضاء وسخ للعنبر أو ذلك الثقب في رواية (القوقعة) للكاتب مصطفى خليفة وكيف انه إطلالة على جهنم حيث تزهق الأرواح وتنكل الأجساد ورغم امتداد الفناء فان ضيق الزنانة والعنبر أكثر فسحة ورحابة منه .. فهل لمعتقلينا ثقوب يتلصصون منها ليروا بعد حينهم ذاك تجربة تغييبهم تلك .

حجري وحجرك المنزلي هو فرصة مثالية كي نعمل مقاربة حقيقية تشتق مفاعلها من واقع معاش (رغم رفاهيته ومحدوديته) مع حال معتقلينا ومغيبينا هناك حيث الظلمة والدناسة وحيث (يعامل السجين بوصفه رقما حياديا أو لقباً ازدرئيا، وحين يطغي الرمادي على الزمان والمكان في نسق جهنمي مطفأ وبارد وملول، تأخذ الألوان أبعاد مختلفة، ويغدو الإحساس بالتمايز، والبحث عن الذات والقبض عليها داخل الزمن، مسالة وجود أو لا وجود) .

 

نقلا عن مجلة الناقوس الثقافية العدد السادس

 

…………………………………

شاهد أيضاً

مواضيع مجلة الناقوس – العدد العاشر- شخصية العدد

الشهيد سليمان ادم سليمان.. عاش انسانا ومناضلا.. أعده / الأستاذ محمود أفندي تغوص بك عزيزي …

من مواضيع مجلة الناقوس العدد التاسع – الملف الثقافي

قصة قصيرة دروب مجهولة (٢) بقلم أبو محمد صالح  صمت الجميع، صمت أعقبه صراخ، الكل …

مواضيع مجلة الناقوس العدد التاسع-الملف الثقافي

مَن الذي اخترع الربابة البجاوية.. ولماذا اسماء اوتارها بالبداويِّت وليست بالتقرايت؟ بقلم عبد العزيز ابراهيم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *