حول مستجدات المجلس الوطني الإرتري

eritكلمــة التحريــر

استبشرت الجماهير الإرترية التي لها مصلحة في التغيير الديموقراطي الحقيقي خيراً بالتئام طيف واسع من قوى المعارضة الإرترية في أواسا بإثيوبيا في 2011 معتبرة إياها بالخطوة التاريخية لما اشتملت عليه من حضور جامع لكل قوى المعارضة الإرترية الساعية للتغيير الحقيقي من تنظيمات سياسية ومدنية وقوى جماهيرية وشعبية من مختلف الفئات الاجتماعية والعمرية من الجنسين ورجال دين وقدامى المحاربين من الرعيل الأول – لأول مرة في تاريخ العمل الإرتري المعارض – الذي شكل لوحة باهية عبرت عن وطن التنوع والتعدد الرافض لدولة الهيمنة والأقصاء والتسلط  . فالخطوة التي ابتدرتها القوى السياسية المنضوية تحت مظلة التحالف الديموقراطي الإرتري باستدعاء شركاء النضال من القوى الجماهيرية كانت خطوة رائدة ارتكزت على ضرورة وأهمية حشد كل القوى صاحبة المصلحة وتضافر جهودها من أجل المشاركة في اسقاط النظام ، ووضع الأساس السليم لبناء دولة الحقوق والمواطنة التي توفر الأمن والاستقرار والعدالة لمكونات التعدد وترسم ملامح غد مشرق يساوي بين الجميع ويضمن حقهم في المشاركة العادلة في السلطة والثروة دون إقصاء وتسلط من أي كان ، من خلال التوافق والتراضي الذي يمكن أن تقود إليه تجربة بهذا الكم الهائل من المشاركة المتنوعة لكل ألوان الطيف الإرتري.

وقد جاءت الاستجابة الجماهيرية مع الدعوة تلقائية مدفوعة بالرغبة المشتركة لوضع حد لمعاناة مكونات الشعب الإرتري التي طال أمدها من جراء الممارسات القمعية للدولة الشوفينية القائمة على الهيمنة والإقصاء لفائدة أحد مكونات الوطن على حساب مصالح وحقوق مكونات التعدد الإرتري التي حرمت من حقها الطبيعي في المشاركة العادلة في السلطة والثروة. لذلك ساهموا بوعي في العمل الذي عبد الطريق  ومهد لميلاد المجلس الوطني الإرتري متمثلا في ملتقى الحوار الوطني  في 2010 من خلال المشاركة الفاعلة في ورش العمل للملتقى والسمنارات اللاحقة ومن ثم مناقشة الأوراق التي أعدتها المفوضية الوطنية التي انبثقت منه للتحضير للمؤتمر الوطني الذي أفضي بعد جهد تحضيري مكثف الى تشكيل المجلس الوطني الإرتري للتغيير الديموقراطي  كأول مظلة جامعة لقوى المعارضة الإرترية الساعية للتغيير الحقيقي تتويجا لتراكم نضالاتها المستمرة في معارضة النظام الإرتري . ونتيجة لهذا الإقبال الواسع فقد تميز المؤتمر بحضور شامل لقوى المعارضة الإرترية بكل ألوان طيفها السياسي والمدني  والشعبي . هذا في الوقت الذي راهنت  فيه القوى التي تسعى للحفاظ على ما تحقق على ارض الواقع من مكاسب واستمرار عملية الاقصاء والتهميش مع ادخال تغييرات ديكورية في النظام وتحميل كافة المشاكل لراس النظام  فقط –  على فشل الملتقى وكذلك المؤتمر اعتقادا منها بان عدم مشاركتها ستجهض هذه الجهود وتؤدي الى استحالة عقد المؤتمر ، وإن عقد أن لا يخرج بقررات متفق عليها.

وبعد سقوط رهانهم سعت  هذه القوى مجتمعة على  تقويض جهود المجلس والعمل على تفتيته  بشتى الطرق  بهدف ضرب مخرجاته التي حظيت بهذا الإجماع ، وذلك من خلال تحييد بعض القوى من داخله وصلت الى درجة طرح خارطة طريق بديلة لخارطة المجلس الملزمين بنتائجه ، ومحاولة استيعاب اعضاء مهمين في المجلس في مظلات أخرى معادية لمخرجات المؤتمر ،  وقيام مظلة اخرى لا تعترف بالمعارضة التي سبقتها عندما كانت هي جزءا من النظام ومنفذة  لسياساته وبالتالي معينة له على الدكتاتورية والاستبداد والهيمنة القومية قبل خروجها عن النظام نتيجة للحرب الارترية – الاثيوبية . ومحاولات أخرى من قوى تتكون من فصيل ينتمي لتجربة جبهة التحرير الإرترية  وآخر ينتمي لتجربة الجبهة الشعبية بقيادة أحد رموز  ” سلفي ناظنت”  بانشاء مظلات موازية للنيل من تجربة المجلس ونتائج مؤتمر أواسا ، تلك التجربة التي تعتبر الأكثر ديموقراطية والاكثر تمثيلا للمكونات المختلفة – مقارنة بتجربة بقية المعارضة قديمها وحديثها .

لم تكن تلك الاسباب الخارجية وحدها هي التي ادت الى مراوحة القيادة المنبثقة عن المؤتمر مكانها، بل ان الاسباب الداخلية ايضا كان لها دورها في القصور الذي شاب أداء  القيادة طيلة عامين من عمر المجلس مضافا اليها عاما ثالثا في ظل عدم التمكن من عقد المؤتمر ، والتي كانت نتائجها مخيبة لآمال وطموحات الكثير من القوى المشاركة فيه . وذلك بسبب الخروقات التنظيمية المستمرة  التي صاحبت التجربة منذ بداياتها المبكرة والتي تمثلت في تجاوز القوانين المنظمة للعمل وعدم الإلتزام بالمؤسسية ومعايير العمل الديموقراطي السليم ، وطغيان المصلحة الخاصة على المصلحة المشتركة التي اتسمت بالصراع الضار والغير مبرر على سلطة المجلس على حساب تجويد العمل والقيادة الجماعية ، ما أدى لدخول المجلس في أزمات مستمرة  ،  كان آخرها الأزمة التي يمر بها حالياً والتي سوف تعصف به إذا لم يتم تداركها من خلال التحلي بروح المسؤولية والتمسك بالمرجعية القانونية  كفيصل في حل كل الخلافات الداخلية  واعتماد الممارسة الديموقراطية  ومبدأ التقييم المستمر  كأسلوب علمي ونهج مبدئي يجب تكريسه في أي نشاط بشري جاد ومدروس يسعى لتحقيق غاياته ، وهذا ما يفترض توافره في هذه التجربة التي تطمح  لبناء  النموذج  الديموقراطي البديل  الذي يحقق العدالة والاستقرار والنماء والازدهار لشعبنا .

وإن ملامح الأزمة الجديدة التي تطل برأسها الآن  هي نتاج طبيعي  لنهج واسلوب إدارة العمل بطريقة خاطئة وارتجالية  درجت عليها قيادات المجلس منذ البدايات الأولى لعملها والتي كان بالامكان تجاوزها  لو انه تم تكريس جهد كاف لتلافي  أوجه القصور وتطوير التجربة ونقلها لآفاق أرحب.  إلا أنه وفي ظل غياب تراتبية العمل المؤسسي وعدم الإلتزام بالقوانين وغياب خطط وبرامج عمل واضحة  ونظم تضبط علاقات العمل بين مؤسسات المجلس وهيئاته القيادية ممثلة في الجهة التشريعية والتنفيذية  مجتمعة هي التي  أدخلت المجلس  في هذا النفق المظلم  وتسببت في إحباط  الجماهير  التي كان يحدوها الامل في نجاح هذه التجربة   .

ونظراً للأهمية الخاصة التي اكتسبتها هذه التجربة  نتيجة للإجماع  الذي حظيت به  مخرجات مؤتمر أواسا من ميثاق سياسي وخارطة طريق ومسودة دستور  وضعت  الأساس لبناء دولة المستقبل  التي تراعي  وتضمن حقوق ومصالح  مكونات الوطن  على اختلاف تعدده الثقافي  والاجتماعي ، يجيئ  حرص جميع الحادبين على نجاح التجربة  على القيام بدورهم للحفاظ  عليها  على الرغم مما شابها من قصور واخفاقات ، باعتبار انها  الافضل بين الموجود والعمل على تطويرها بدلا من ضربها في مقتل .

وحتى لا يفهم ما ذكر اعلاه  ضمن دائرة الاستقطاب الحاد والصراع  الحالي بين قيادتي المجلس والتنفيذية ، يجب التأكيد اولا على ان  قيادتي المجلس   يتحملان كلاهما معاً وبقدر متساو مسؤولية الإخفاق الذي أدى الى شل عمل المجلس  وذلك لعدم قدرتهما للتنسيق والعمل بشكل مشترك لإيصال هذه التجربة لبر الأمان ، وان الأمر المهم في هذا هو الحفاظ على المؤسسة لأنها  مثلت أول تجربة ديموقراطية في تاريخ العمل المعارض  من حيث التمثيل الشامل للتنوع الإرتري  والمشروعية القانونية التي اكتسبتها مخرجات مؤتمر أواسا  والملتقى الذي مهد له – من مبادئ تم تبنيها بشان الوحدة وحقوق المكونات والإقرار بنظام الحكم اللامركزي الدستوري ، والميثاق السياسي وما تضمنه من أسس تحفظ وتصون حقوق ومصالح المكونات الإرترية العادلة  في تقاسم السلطة والثروة . لان الهدف الحقيقي من وراء هذه الأزمة هو تصفية  هذه المكتسبات من خلال ضرب مشروعية المؤسسة  والقضاء عليها وبناء المشروع البديل  على انقاضها من قبل  قوى بعينها سعت منذ بداية تكوين المجلس لشل حركته مستغلة  جوانب القصور التي لازمت التجربة  وغياب عامل الثقة بين الأطراف المختلفة .  وإن اختزال الأزمة  في الصراع بين الهيئتين القياديتين هو محاولة من هذه القوى لاستغلاله الآن لذر الرماد في العيون لضرب  المؤسسة في مقتل لتحقيق مآربها .  وعلى اعضاء المجلس والتنفيذية الحريصين على استمرار التجربة والوصول بها الى مؤتمر يتحقق فيه تمثيل متوازن  لكل المكونات الارترية صاحبة المصلحة في التغيير الحقيقي  ، أن يتم التحضير له بما يكفل تثبيت وتطوير ما تحقق في المؤتمر السابق بالاضافة الى التقييم والمحاسبة لتفادي تكرار اوجه القصور العديدة التي كانت الملمح الرئيسي لأداء  القيادة في الفترة السابقة .

فالهجمة ابعد واعمق مما تبدو عليه في الظاهر فقوى الهيمنة التي تسعى للحفاظ على المكتسبات التي تحققت لها في ظل النظام الطائفي لم تستفد من عوامل فشل تجربة الدولة  الحالية لتلافيها مستقبلا ، لكن تعمل على إعادة إنتاجها من جديد  والسعي للاستحواذ على تجربة العمل المعارض واجهاض كل المكتسبات التي تحققت للمعارضة خلال سنين نضالاتها  الطويلة ضد قوى البغي والعدوان ،  فها هي للمرة الثانية في تاريخنا المعاصر  تجري محاولات لتحوير نتاج العمل المعارض وتجييره لخدمة مصالحهم  باستخدام ذات الأسلوب الذي أتبع من قبل ، خاصة وان هذا كله يتم في ظل الالتفاف من القوى التي لا تعترف بهذه المظلة ولا بحقوق مكونات المجتمع الإرتري ولا تقر  بوجود الهيمنة القومية ، والمتمثلة في مجموعة  “افند” و”مدرخ”  و”حزب الشعب”  من خارج مكونات المجلس الوطني .

وإن السعي  للدعوة لعقد اجتماع طارئ للمجلس من طرف واحد وإغراء قوى المعارضة بضرورته في ظل غياب الاجماع او التوافق القيادي على ذلك  هو أحد وسائل ضرب المؤسسية  التي تسعى هذه القوى لتحقيق أهدافها من خلاله . لذلك  نرى بأن على التنظيمات السياسية والجماهير الإرترية صاحبة المصلحة الحقيقية فيما تحقق من نتائج في أواسا كدليل واساس نظري محل اجماع – بغض النظر عن الإخفاق الذي صاحب الأداء – الوقوف صفاً واحداً لقفل الباب على القوى التي تسعي للهيمنة من خلال  تصفية  المكتسبات المحققة ، والتمسك بالأسس القانونية الكفيلة بالحفاظ على تماسك  وحدة المجلس الوطني  والوصول  به للمؤتمر الوطني الثاني .

29نوفمبر 2014

شاهد أيضاً

تهنئة

بمناسبة عيد الفطر المبارك تتقدم رابطة ابناء المنخفضات الإرترية للشعب الإرتري الأبي بأصدق التهاني القلبية …

الاعلام بين الماضي والحاضر

بقلم محمد نور موسى ظهر الإعلام الإرتري مع ظهور الحركة الوطنية الإرترية في مطلع أربعينات …

من مواضيع مجلة الناقوس-العدد التاسع

سعدية تسفو فدائية من جيل آخر! نقلا من صفحة الاستاذ ابراهيم حاج لترجمته من كتاب …

2 تعليقان

  1. الشكر للرابطة على هذا الموقف الوطني الرائد في الدفاع عن المكتسبات الوطنية التي تحققت لقوى المعارضة الإرترية وفضح محاولات الإلتفاف التي تمارسها قوى الهيمنة والتسلط في استهدافها لمظلة المجلس منذ اليوم الأول لقيامها بهدف أبقاء واقع الهيمنة الذي يحفظ لهم المكتسبات التي تحققت في ظل النظام . والدليل على ذلك إن المظلات الموازية التي تحاول هذه القوى إنشائها كلها تمثل القوي المنتمية لقومية النظام !!

  2. مختار عثمان

    هؤلا يعملون لصالح استمرار الهيمنة الطائفية بمعرفة او عن جهل وكلاهما كارثة. ان كانو يعلمون ذلك فهذه مصيبة, وان كانوا لايعلمون فالمصيبة اعظم. الموقف ظاهر وواضح . اذا تفتت المجلس فاعلموا ان هذا اول دعوة للحرب الاهلية يتحمل مسؤوليتها هؤلا السزج الداعيين للاجتماع الطارئ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *