حكايات رقمية

haji

يطلق أحكاما قاسية هنا وهناك، يستمتع بتجريد الآخرين من إنجازاتهم أو يقوم بتقزيمها.. يلعب دور النضج في كل شيء، حتى في تلك المواقف التي تتطلب براءة الأطفال وسذاجتهم.. ثم لا ينسى بين الفينة والأخرى أن يقتبس بعض المقولات غير المشهورة لأشخاص مشهورين، كي يلفت النظر للمستوى الرفيع الذي لا يرضى بأقل منه في سائر شؤون حياته.. لكن قد يحدث وتلتقي هذا المتطلب على أرض الواقع فتجده متواضع الحضور، يضحك كثيراً وبخفة، ويتلعثم بمجرد أن يلتفت إليه الآخرون لسماع رأيه في مسألة ما. يختار الانزواء في الواقع حتى لا يتعرض لأقل خدش، بينما هو أسد هصور هناك، في صفحته على الفيس بوك!

يتخفى خلف ألف صورة وصورة، ويختار من الأسماء ما شاء، يُنشئ حساباً على الفيس بوك كل يوم، يُهاجم هذا ويمدح ذاك، لكن أبرز صفاته أنه أفضل من يحاضر في الشجاعة!

باءت كل محاولاته بالفشل في أن يحقق ذاته واقعا، ففعل ذلك بكل سهولة في العالم الافتراضي، فهو الصحفي وهو القاص وقد يضيف إليها الشعر ولا بأس بشيء من النقد، فهو في هذه المساحة يقوم باغتنام رياحه التي هبّت للتو دفعة واحدة ولا مانع من جمع المجد من أطرافه طالما أن الأمور بهذه السهولة.. ولأن كل هذا لم يمسح إخفاقاته الحقيقية، فهو لا يكفّ عن الانتقام من كل نجاح حقيقي، فيستخدم صحيفته الافتراضية التي يرأس تحريرها بكثير من الزهو، يستخدمها للنيل من خصومه، الذين لم يفعلوا شيئا سوى أنهم حققوا شيئاً ملموساً يمكن الإشارة إليه بينما هو ينتقل من منجز افتراضي إلى آخر، دون أن يكون هو نفسه قادراً على الإمساك بأي منها على وجه الدقة والتحديد.. ودون أن يعي ولو للحظة أن فشله في الواقع كان رحمة بالعباد، لأنه كان سيلجأ لكل أفعاله الحالية، وكان بالتأكيد سيضيف للموجود صحيفة صفراء أخرى طافحة بالتفاهات.

حكايتنا هذه تبدو معقدة بعض الشيء وملتبسة، فقد قرر بطلها أن ينتحل شخصية أنثى لا تُطال، وحشدها بكل الصفات التي يعرف أنه من النادر أن تجتمع سوية فهي الجميلة، والعاقلة أحياناً والنزقة كثيراً، والمثقفة دوماً، لكن مع وفرة في الأخطاء الإملائية، والطيبة أحياناً والشرسة حين يتطلب السياق ذلك، وهي المناضلة أباً عن جد، لكنها تقف إلى جوار كل الطغاة. هذا القدر من التناقض جعل الأنثى الافتراضية، أو بطل قصتنا هذا، ممتلئاً بالإثارة، سواء على مستوى من أحبوا الأمر أو كرهوه.. وهذا كله يزيد من قدر المتعة لدى من يقف خلف الكيبورد ويتلبس الأنثى الفاتنة حتى غدا « جانبه الأنثوي» هو الأكثر حضوراً وتأثيراً على حساب شخصيته الحقيقية.. لكن لماذا هذا الاضطرار إلى تقمص دور الأنثى المرغوبة؟ لا أريد الخروج كثيراً عن سياق الحكاية إلى ما يقوله علم النفس، لكن اطلالة سريعة قد تفي بالحاجة، فمن يفعل ذلك إنما يفعله ليداري خيباته العاطفية، وينتقم من إخفاقاته بأن يكون محبوباً ولو على هيئة أنثى، أو أي هيئة أخرى، المهم أن يجد التقدير الذي افتقده هناك، حيث يعيش الناس حياة حقيقية، ويتصرفون بشكل طبيعي، فيصبحون دون عناء أشخاصاً محبوبين.

كل تلك الحكايات الرقمية وغيرها هي عماد مجتمع مواقع التواصل الاجتماعي إلا ما ندر، تبرز دائماً الحاجة لخوض حياة أخرى غير التي نحياها واقعاً، حياة لا ثمن فيها للنجاح، ولا ثمن فيها للغضب، ولا مقابل نضطر لدفعه أمام الانتقاص من الآخرين وتشويههم.. في الحياة الثانية، حياة الفيس بوك وتويتر، نحن أسياد اللعبة، كل ملامحنا تأخذ وضع الصلصال القابل للتشكل بكل سهولة، فنصبح وسيمين، حكماء، نقاد وشعراء وروائيين ومحللين سياسيين وربما اقتصاديين، وكل ذلك دون منتج حقيقي، نعم دون منتج حقيقي، فمن سيطلب منك برهاناً في العالم الافتراضي؟!

شاهد أيضاً

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الثاني أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي متابعة : ماذا حدث لك بعد نجاح العملية …

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الأول أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي   تحاور مجلة الناقوس المناضل الكبير عبدالله سعيد …

شخصية العدد- المناضل المغييب محمد عثمان داير (الناقوس العدد 11)

       المناضل المغيب / محمد عثمان داير                   …

3 تعليقات

  1. صدقت أخي حجي ، والفيس يعج بأمثلة كثر من هؤلاء وذاك . فهم بذلك يسيئون للذوق العام والمتلقي وكل صنوف ما يدعون من أدب وشعر وجمال وهو براء منهم ، وقبل كل شيء يسيئون لأنفسهم في حين لا شيء يساويها جمالاً وقدراً من أن تكون على حقيقتها . فيكفي أن تكون مستمعاً جيداً أو قارئاً جيداً من أن تتجنى ، فالناس سوف تحبك لا لشيء سوى أنك ما أنت عليه في الواقع .

  2. it is a real daily life of Asyas. I finish reading it while , I was remembering the book for the Ethiopian writer( AL_EWALADIM) what you said about face book is a daily life for so called Eritrean president, and I say so called, because we the Eritreans did not elected him, so as they call him, as they like to call him Minilik, he got the phobia he think he is smart, God gift to close all the Bars , and secure welfare, job, education with different language for the people of Eritrea, or for the Highlanders in particular, in case the Munkhafadat chose to fight his regime,
    so far the regime failed his supporters before his enemies ,and they are acting the scenario of the face book you mention. I ask every one, to his supporters before his enemies, until when they will be hidden there faces and using Indian female actors face, if Asyas was writing on (NIHNAAN ELAMAANAN) we and our principal , the magazine that act like a magnate for the highlander Christians, if he was writing the main principal of his duty as saver from God was to store dignity on the High landers, and he never mention how they lost the Dignity, and get them the jobs that restore the dignity,
    we have the right to ask, why we have the FACE BOOK nation with regime insisting to play the scenario, even if his value is less than one share of the face book value,
    and the question that remain with no answer and we will keep on asking , what happen to the dignity he come to restore for the people of the highlanders , or it became less than a face book share value , and no water face for that, so many to be answered and the face book faces of Indian female actors will not help, was an article describe the face of the Eritrean regime , say the shameless face of the Eritrean regime.

  3. هي حالة مرضية يعاني منها البعض وتنعكس آثارها السلبية على هذا المجتمع ( الصديق ) .. الذي لا يكلف نفسه عناء البحث عن الحقيقة .. ولكن دعنا نتحدث عن جوقة المبين والمصفقين من عديمي الضمير الذين على اكتافكم بنيت هذه الشخصية الوهمية .. واستماتوا حتى الرمق الاخير في الدفاع عنها وإيجاد المبررات التي أقل ما يقال عنها أنها سخيفة .. لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مشروعهم الهدام .. أتمنى أن نستفيد من هذه التجربة ولا ننساق خلف أي قلم فضفاض خاوي من المبادئ والقيم النبيلة . شكرا لك حجي جابر .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *